على كندا أن تتخلص من إرثها العنصري.. وأن تحارب التطرف والكراهية والتمييز

د. نزيه خطاطبه:

لم تمضِ أيام على الكشف عن رفات 215 من تلاميذ مدرسة داخليّة سابقة مخصصة لأطفال السكان الاصليين في مدينة كاملوبس، في مقاطعة بريتيش كولومبيا، ومعاناة السكان الأصليين، الذي شكّل صدمة كبيرة للغالبية من الكنديين، حتى صدم المجتمع الكندي مجدداً بفعل الهجوم الإرهابي الذي أقدم عليه شابّ أبيض في مدينة لندن، يوم الأحد الماضي، مستهدفاً بشاحنة عائلة مسلمة من أصل باكستاني، فقتل 4 من أفرادها وجرح طفل آخر، وقد جرى استهدافهم حسب تقرير الشرطة عمداً، في جريمة كراهية معادية للإسلام، ما أعاد الحديث عن ظاهرة الإسلاموفوبيا أو معاداة الإسلام في كندا، ودفع بعديدين للحديث عن ظاهرة العنصرية وخطر المجموعات العنصرية المتطرفة، وضرورة أن تتخلص كندا من إرثها العنصري، وأن تمنع كل ظواهر التمييز المبطن في مؤسساتها وأجهزة الشرطة فيها، وتحرم التحريض الذي تغذيه الإسلاموفوبيا وأعداء التسامح والتعدد والتعايش، ووضع برامج للقضاء على الكراهية.

جاستن ترودو (رئيس الوزراء الكندي) ندّد بـالهجوم ووصفه بالإرهابي، وقال في كلمة له، أمام مجلس العموم وفي حفل التأبين الذي أقيم لأرواح الضحايا في لندن: إن هذه المجزرة لم تكن حادثاً، إنها هجوم إرهابي دافعه الكراهية في قلب أحد مجتمعاتنا، مضيفاً: (لقد استُهدفوا جميعا بسبب معتقدهم المسلم. هذا يحصل هنا، في كندا، وهذا يجب أن يتوقف)، متعهداً باتخاذ مزيد من الإجراءات لتفكيك الجماعات اليمينية المتطرفة، وأن حكومته ستواصل محاربة الكراهية، في إشارة إلى تحرك الحكومة الأخير لإدراج منظمة (الأولاد الفخورون_ the Proud Boys) ككيان إرهابي.

وقد أجمع رؤساء كل الأحزاب السياسية ورؤساء المقاطعات والبلديات، على إدانة الجريمة، وكان زعيم الحزب الوطني الديمقراطي (NDP) جاجميت سينغ، هو الأكثر شجاعة في وصف الأعراض، وطالب حكومة كندا بمواجهة العنصرية المتفشية التي أدت إلى (سحق) أسرة مسلمة في شوارع لندن، مؤكداً أنه في حين أن البعض قد يصاب بالصدمة لأن هذا الهجوم حدث في بلد مثل كندا، إلا أنه ليس مفاجئاً للأشخاص الذين عانوا عقوداً من التمييز واللامبالاة للتحيّز.

وفي إطار الربط بين هجوم يوم الأحد والتقرير الأولي لأطفال السكان الأصليين، قال سينغ إن الكنديين (لا يستطيعون إنكار) أن بلادهم مليئة بالعنصرية. واتهم بعض السياسيين الكنديين بأنهم أججوا الكراهية ضد المسلمين، كما أن الخطاب الذي يستخدمه بعض السياسيين (ألهب الناس) بطرق أدت إلى هجمات مثل تلك التي حدثت في لندن. مؤكداً أن (هذه حقيقة قاسية. السياسيون استخدموا الإسلاموفوبيا لتحقيق مكاسب سياسية. لقد فعلوا ذلك. لقد أساؤوا استخدامه كأداة للانقسام – وهذا يجب أن ينتهي).

لم تكشف الشرطة الكثير من المعلومات عن الهجوم، ومع أنها أقرّت على لسان مدير المباحث أنه لا توجد علاقة سابقة معروفة بين المشتبه به والضحايا، وأنه لم يُعرف بعد ما إن كان للمشتبه به صلة بأي جماعات كراهية محددة، إلا أنها أكدت أنه هجوم متعمّد بدافع الكراهية ضد المسلمين، مع أن العائلة المستهدفة لا تبدو عليها من ملابسها أنها مسلمة وإنما هندية، وأن المنفّذ أعد لعمليته منذ فترة، وأنه كان يرتدي سترة بدت وكأنها (مثل الدروع الواقية للجسم). وقد وجهت إلى المهاجم، ويُدعى ناثانيال فيلتمان، من مدينة لندن ويبلغ من العمر 20 عاماً ويعمل سائقاً، تهمة ارتكاب 4 جرائم متعمدة، ومحاولة قتل.

الاعتذار والتنديد لم تعد تكفي، والمطلوب خطوات عملية لتعزيز التعايش والسلم والمساواة في المجتمع الكندي، ومحاربة وتفكيك المجموعات والمنظمات كافةً التي تغذي الكراهية اليمينية المتطرفة، والتي تشجع العنف ضد الأقليات، كما على الحكومة الكندية فك تبعيتها المطلقة لسياسة الولايات المتحدة، واعتماد سياسة واقعية وغير منحازة فيما يخص القضايا والصراعات الدولية، لما لذلك من تأثير وانعكاس على المجتمع الكندي نفسه،

علينا أن نسعى لأن تكون كندا أفضل وواحة للتعايش السلمي والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وعدم إعطاء الفرصة لمراكز قوى تحاول تأجيج المشاعر العنصرية وتغليفها بصراعات دينية.

(نقلاً عن جريدة مشوار العربية في كندا)

العدد 1105 - 01/5/2024