مساواة ليست من أجل المساواة

د. أحمد ديركي:

ما زال درب النضال طويلاً وأعقد مما يظن البعض. درب معقد متشابك الحلقات مليء بالألغام المعيقة لتقدم المناضلين ولمنعهم من بناء النمط البديل لما هو قائم.

تبسيط النضال الطبقي على أنه مجرد صراع اقتصادي ما بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، وحليفتها السلطة السياسية، ما هو إلا الوقوع في فخ (الاقتصادوية)، ورفع مستويات التشوية الطبقي لدى الطبقة العاملة لتأبيد أغلالها والاستمرار في استغلالها من قبل الطبقة البرجوازية وحليفتها المتجسدة في طبيعة الدولة بالمفهوم الحديث.

فالصراع الطبقي الذي تقوده الطبقة العاملة وحزبها الطليعي، الحزب الشيوعي، لا يقتصر فقط على البعد الاقتصادي، وإن كان الاقتصاد يمثل جزء أساسي من هذا النضال. فالبديل الذي يدعو إليه الحزب الشيوعي، في أي بلد وُجد، هو التغيير الجذري في سبيل الوصول إلى المشروع الفكري الذي يحمله، مشروع نقيض لما هو قائم. مشروع نقيض لما هو سائد على كل الأصعدة والمستويات، ومن ضمن هذه المستويات مسألة حقوق المرأة.

المرأة كائن بشري مثلها مثل الرجل، والفارق الوحيد بين الجنسين يتمثل بالفروقات الببيولوجية لا غير. إلا أن نمط الإنتاج القائم، ومتبقيات النمط السابق ورواسبه المختلطة مع الحالي، صوّر هذا الكائن، المرأة، وكأنها كائن (أدنى) من الرجل. وكلمة (أدنى) لا تعني فقط على المستوى الاقتصادي، بل تطول كل المستويات!

الهدف من تصنيفها على أنها (أدنى) الحفاظ على كم استغلال أكبر للمرأة، ومن خلال رفع مستويات استغلالها يمكن استغلال الرجل أكثر، فتتداخل عملية استغلال الجنسين لتكريس أغلال الطبقة العاملة من خلال (قيم) و(عادات) و(تقاليد) و(طقوس) تتجذر في البنى الثقافية للمجتمع، لتظهر هذه البنى وكأنها معطى (ثابت) و(أزلي) غير قابل للاقتلاع مهما طال المجتمع من تغيرات!

على سبيل المثال لا الحصر، استغلال الفروقات البيولوجية لتبرير (الفروقات) المجتمعية ما بين الجنسين، وكذلك استخدام الايديولوجيات الدينية لتبرير (الفروقات) المجتمعية، ليتداخل (البيولوجي) مع (الديني) كل هذا من أجل طمس طبيعة استغلال المرأة أكثر وأكثر، وفي الوقت عينه استغلال الرجل، من قبل الطبقة البرجوازية وحليفتها.

وقد يكون أحد تشوهات النضال التحرري للمرأة يتمظهر في تصوير نضالها وكأنه نضال ضد العقلية (الذكورية) المتسيدة في المجتمع من أجل خلق عقلية (نسوية) مساوية له. فيتحول بهذا الصراع التحرري من قيود الاستعباد للطبقة العاملة إلى صراع ما بين عقلية (ذكورية) وعقلية (نسوية) وتنحرف بوصلة النضال الطبقي. فبدل أن تكون باتجاه صراع ما بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية وحليفتها، تنحرف بوصلة الى صراع ما بين عقلية (ذكورية) وعقلية (نسوية) وكأن ما من طبقة تستغل الطرفين. فتستغل الطبقة البرجوازية، وحليفتها، هذا الانحراف في الصراع لتكرس أغلال استغلالها للطبقة العاملة بجنسيها المذكر والمؤنث.

فهل لطرفي العقلية أن يصححا بوصلة نضالهما ضد عدوهما الطبقي ليتحدا في صراعهما ضد العدو الحقيقي لهما! فالمساواة بين الجنسين ليس هدفها مجرد المساواة لاستكمال الاستغلال، بل المساواة في جوهرها تحرير الطبقة العاملة من استغلال الطبقة البرجوازية وحليفتها، هنا الفعل التحرري في المساواة يجعل من المذكر والمؤنث متحررين من قيود الاستغلال وتختفي الفروقات التي ولدها هذا النمط الإنتاجي.

العدد 1104 - 24/4/2024