المنظماتُ الشبابيّة.. على أنقاض البنى الفوقيّة

جعفر فرح خضور:

جميعنا يعلم ما تسبّبت به الحرب الإرهابية الكونيّة التي ألقت بثقلها وبدعمها الدولي والإقليمي، بكل الأشكال عسكرياً ولوجستياً وإعلامياً على الدولة السورية، من دمارٍ كبيرٍ ضرب الحجر واستهدف البنى التحتيّة، وشرايين الحياة الأساسية وحيويتها.

والسؤالُ الذي يتواردُ إلى أذهاننا، بعد رؤيةِ هَول ذلك الدمار وسوداوية آثار الحرب وما تركتهُ خلفها: متى سيعود ذلك البناء؟ هل سيعود كما كان؟ وكم من جُهدٍ نحنُ بحاجةٍ إليه حتّى نعيد بناء ما تدمّر ونرمّم ما تضرّر؟

ولكن هل سألنا أنفسنا يوماً عن حال البُنى الفوقية؟ هل تضرّرت؟ هل اختُرقت؟ هل من منقذٍ أو من حلٍّ يستطيعُ بناءها كما الأمل ببناء الحجر؟ ربما هذا هو السؤال الأهم الذي يجب أن نسأل أنفسنا إيّاه ونسألهُ لبعضنا.. كشبابٍ فتيّ عاصر سني الحربِ الضروس، وأقصدُ هُنا بالبنى الفوقية، الإنسان والأخلاق والعقل والوعي الذي عُملَ كثيراً على تغييره وتزييفه وكيّه، وخصوصاً لدى نواة العناصر المجتمعية: الشباب.

وفي هذا المجال نقفُ أمام عدّة تساؤلاتٍ تستحقُ الإجابة الوافية والشافية، منها: ماذا عن الشباب قبل الحرب؟ ماذا عنهم بعد الحرب؟ ما مدى وعيهم؟ وهل تناقصت الخبرات المكتسبةُ أم أهلكها رُعب الحربِ وأنقصها وجعلها في خطٍّ بيانيٍّ تنازليّ؟ وهل من إمكانيةٍ لرفع ذاك الخط نحو التصاعد؟

لا شكَّ في أن المنظمات الشبابية تلعب دوراً جوهرياً في احتضانها للشباب، فهم يشعرون عندما يكونون معاً، وليكن على سبيل المثال في نزهة ما، بالتعاضد والفرح والوجود الحقيقي، فكيف عندما يكونون منظّمين ضمن تنظيمات وتحت سقف واحد ينضوون تحت لواء فكريّ واحد، يجمع بينهم ويعلّمهم، ويحشد طاقاتهم ويستوعب مهاراتهم، ويجعلُ منهم أناساً قادرين على إدارة شؤون المجتمع، والتواصل مع كل شرائحه وتعزيز مهارات عديدة، في مقدمتها الحوار للقدرةِ على جَسْرِ الهوّة بينهم وبين الأطراف الأخرى، ومدّ جسور من التعاونِ والمحبّةِ والشعور بالمسؤولية. وبالطبع هذا كلّه لا يقتصر فقط على الكم الذي تحتضنهُ تلك المنظمات الشبابية، بل على النوع فيها، النوع الممتلك للإمكانات والسُّبل القادرة على تحقيقِ أهداف تلك المنظمات سواء أكانت تربوية أو سياسية أو غيرها.

بالتأكيد لا يعني كلامنا هنا إهمال باقي الشباب ممّن لا يملكون تلك الإمكانات، بالعكس تماماً بل هذا يضع المنظمة المسؤولة أمام تحدٍّ كبير يتمثل في خلقها وتقويتها، وإلاّ سنكون أمام مُبرر واحد واضح وهو (عدم الإعداد الصحيح)، وهذا لا يجعلنا نلقي بكل اللوم على المنظمات، بل على الشباب المنتسب إن لم يكن يملك الرغبة الجامحة والانتماء الحقيقي، فنحن نبدع في أبسط الأشياء حين نُحبها، وعندما لا تتوافر تلك الرغبة فلن ينجح الشاب المُنظّم ولا المنظمة المستقبلة، وهنا أيضاً يقع تحدٍّ آخر جديد على عاتقها وهو إيجاد عوامل الاستقطاب القوية.

في سورية تأتي مهام المنظمات الشبابية أكثر حاجةً وأكثرُ ضرورة لمرحلةِ ما بعدَ الحرب.. لتعمل المنظمات على التأهيل الصحيح وعلى تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة التي حملها الشباب دون أن يعرفوا الغثَّ من السمين، وحتى إعادة إعداد بعض كوادرها الموجودة مسبقاً والتي تُمارس مهامها.

ماذا بعد؟ وما المطلوب؟ لا بدّ لكل نهضة أو حركة أو تنظيم حتى ينجحوا أن تتوافر لدى أعضائهم الأرضية الفكرية الصلبة والتي من المفروض أن ترتقي لترسانة فكرية واعية مثقفة تجابه كل الصِعاب، هذا ينطبق على الحركات والتنظيمات…الخ منذ نشأتها كعامل منشئ لها، أي أن يكون سابقاً لقيامها، ولكن من الممكن أيضاً أن ينطبق على الحركات بعد قيامها، لأن الكثيرين تسرّبوا أو قد يتسرّبون منها بسبب عدم توافر تلك الأرضية منذ البداية لتنتقل المنظمات لمرحلة العلاج لمرضٍ مُزمن طال اكتشافه بعد خموله. وتلعب العقليات التي تدير تلك المنظمات دوراً كبيراً جداً، وخاصة إن كانت خلّاقة ومبدعة وعابرة للأنماط التقليدية، وبأفكار متجدّدة دوماً، وبالخروج عن بعض أعراف العمل في التطبيق بما لا يضرّ الأمور التنظيمية. لذا ربما ولحدٍّ ما حقّقت بعض المنظمات الشبابية تطلعات شبابها، واحتضنتهم، واستطاعت النجاح في بعض المحطات المتعدّدة، وأهّلتهم بشكل صحيح ليكونوا قياديين حقيقيين في مجتمعهم ودولتهم أيضاً، ورعاية مواهبهم وتنميتها، ويقع عبءٌ كبير عليها في استيعابِ الكثير من الفئات الشابة.. لأنها ستكون في مراحل عدّة كالإعداد والعلاج والترميم والبناء أحياناً، وتستطيع من خلال فعّالياتها تحقيق ذلك وإنجاحه مثل: الورشات الحوارية التي تناقش مواضيع مواكبة للظروف أيّاً كانت، تنمية المواهب ودعمها بشكل منقطع النظير، وإطلاق المشاريع التي تعود بالفائدة على الشباب بشكل خاص، وأخرى على المجتمع بشكل عام، كما فعلت منظمة اتحاد شبيبة الثورة في نقلة مهمة عبر مشروع (بذور)، في محطة ينطلق قطارها من مشروع صغير ليرتقي لمشروع كبير، وإسهامها لجانب جرحى الجيش العربي السوري في برنامج (ٍوصية). وبرنامج (تكوين) لتأهيل كوادر حتى يتم زجّها في أسواق العمل، في وثبة ماهرة وضرورية راعت ضرورات المرحلة ووضعتها ضمن خططها الاستراتيجية.

مهام كبيرة تُلقى على عاتق المنظمات تتطلّب جهوداً جبّارة وعقليات منفتحة، وأفكاراً قابلة للتطوير والترميم والعمل في آنٍ معاً.

العدد 1102 - 03/4/2024