كل دقيقة تساوي أكثر من ستة ملايين دولار

د. أحمد ديركي:

استيقظت في صباح يوم العطلة الاسبوعية ونظرت إلى ساعتي، فكانت تشير إلى التاسعة والنصف. ولأنه يوم عطلة نمت قليلاً، ومن بعدها استهللت نهاري وغالباً ما يكون بإنجاز بعض المستلزمات المؤجلة طوال الأسبوع.

نظرت إلى هاتفي وكانت ساعته تشير إلى حوالي الساعة الحادية عشرة، وفجأة لحظت اختلافاً في الوقت، فساعة الكومبيوتر تشير إلى العاشرة وساعة يدي تشير إلى التوقيت عينه!

اعتقدت أن هناك خللاً ما، ولكن بعد قليل أدركت أنه التوقيت الصيفي، رغم برودة الطقس.

منذ زمن بعيد أبحث عن السبب خلف العمل بتوقيت صيفي وآخر شتوي. فما الفارق بينهما؟ نستيقظ في الصباح ونذهب إلى العمل في الوقت المحدد ونخرج بالوقت المحدد. وحالياً أجورنا الشهرية تنهار كانهيار جبل الجليد، فما قيمة التوقيت الصيفي والشتوي لصاحب دخل يعمل طوال 26 يوماً في الشهر ليتقاضى أجراً لا يشتري فردة حذاء صناعة محلية؟! نعم، فردة حذاء لا فردتي حذاء.

فما الفارق بين التوقيتين؟ ما من فارق لأنني وجميع من هم مثلي لا يمثلون شيئاً في العملية الإنتاجية القائمة، لانعدام هذا المفهوم ضمن الاقتصاديات الريعية القائمة، فهدف أنظمة كهذه مراكمة أصحاب رأس المال المزيد من الأرباح ومراكمة أصحاب الأجور المزيد من الفقر. والصمت سيد الموقف!

بينما الواقع يختلف كثيراً عما هو عليه خارج هذه المنظومات الريعية الطفيلية المعتاشة من دم الكادحين وعرقهم.

مرّ خبرٌ اهتمّت به قلة في هذه المنظومات الريعية. الخبر: جنوح سفينة في قناة السويس أدت إلى توقف الملاحة فيها! لكن هذا الخبر مهم جداً ويثير الكثير من الضجيج في البلدان المنتجة.

تعتبر قناة السويس واحدة من أهم طرق التجارة العالمية، وتعطلها يؤدي إلى عرقلة التجارة العالمية، أي عرقلة العملية الإنتاجية في الدول المنتجة.

بعد جنوح السفينة وإقفال الملاحة في القناة قفزت تكلفة الشحن البحري بشكل كبير، أي أن أسعار البضائع سوف ترتفع بسبب ارتفاع تكلفة الشحن. فتعطل الملاحة في القناة، وفقاً لبعض الإحصائيات، يكلف التجارة العالمية ما يقرب 400 مليون دولار في الساعة أي ما يقارب 6.66 ملايين دولار في الدقيقة. فقد ارتفع سعر شحن الحاوية الواحدة من الصين إلى أوربا إلى 8000 دولار ما يساوي 4 أضعاف السعر الاعتيادي. وتقارير أخرى تفيد أن تعطل الملاحة في القناة بسبب جنوح السفينة (إيفر غيفن) تعطل نقل بضائع تقدر قيمتها بنحو 9.6 مليارات دولار كل يوم.

ووفقاً لتقرير وكالة بلومبرغ سوف تأخر حادثة جنوح إيفر غيفن تسليم منتجات نفطية تقارب قيمتها الـ 10 مليارات دولار، وهذا ما سوف ينعكس على سعر النفط في الأسواق العالمية.

فقناة السويس تعد واحدة من أكثر طرق التجارة العالمية ازدحاماً في العالم، يمر عبرها نحو 12% من إجمالي التجارة العالمية. ووفقاً لبعض الاحصائيات تقدر قيمة حركة المرور عبرها باتجاه الغرب بـ 5.1 مليارات دولار يومياً، وحركة المرور باتجاه الشرق بحوالي 4.5 مليارات دولار يومياً.

يبدو أن الأمر لن يحل سريعاً، فبعض التقارير ووفقا لبعض الخبراء تؤكد أن إعادة فتح القناة قد يستغرق أسابيع ، ويقول اتحاد بيمكو، أكبر اتحادات الشحن الدولية التي تمثل مالكي السفن، أن التأخيرات سوف تستمر في التعاظم وسوف تؤثر على الإمدادات. مع لحظ أن كل يوم تأخير في فتح القناة بحاجة إلى يومين عمل لتعويضه.

قد يقول البعض: لمَ كل هذه الضجة المفتعلة؟ البحار كبيرة ويمكن للسفن أن تغير مسارها! صحيح البديل الأرجح اتباع طريق رأس الرجاء الصالح، ولكن هذا يعني زيادة في طول المسار يساوي 9.5 آلاف كيلومتر أي زيادة في تكلفة نقل البضائع بما لا يقل عن 300 ألف دولار.

المضحك في كل هذا، وهو أمر جلي مهما حاول الجميع إخفاءه وهو أن غي بلاتن، أمين عام غرفة الشحن الدولية يقول: في نهاية الأمر، المستهلكون سوف يتحملون التكلفة.

ما دام الأمر بهذا الوضوح، فلا فارق بين توقيت شتوي وآخر صيفي في المنظومات الريعية التي سوف ترغم عمالها على دفع (تكلفة) تعطّل الملاحة، كما سوف تفعل الدول المنتجة.

على أمل ألّا تدوم فترة التعطل طويلاً، وإلا أصبح أجري الشهري لا يشتري حتى شريط فردة حذاء! فكيف لي أن أعاود النوم؟

العدد 1104 - 24/4/2024