لغز الأسعار وعتاب المختصين والتجار

د. سنان علي ديب:

.. وتستمر الأسعار بكونها الهمّ والاهتمام، والمرتبة الأولى بلا منازع في التداول اللحظي والساعي واليومي لدى المواطن السوري، الذي يتكلم عنها وهي بخياله شبح كبير أو مارد لا يقاوم، أو حريق مستمر كبير لا يمكن إطفاؤه أو الهروب من آثاره، وهي توهمات محقّة، كيف لا وقد أصبحت لغزاً كبيراً لا يمكن حلّه بالمؤشرات والمقاييس والنظريات الاقتصادية؟! فهي دائمة السير والجري والطيران باتجاه واحد وهو الارتفاع، وقد كانت تحتمي وتتحصن وراء أسعار الصرف الوهمي للدولار، التي غالباً ما كانت تسبقها، وتتعرى عندما يهبط السعر الوهمي لتبقى هي في طريق الارتفاع، وهنا تتعرى الغايات والمسببات والتجاوزات. ولنترك الخجل والحرام والقلب الطيب ونعلنها الخيانات، وهل هناك أكبر من خيانة الابتزاز والاستلاب وتجويع المواطنين في بلد منكوب وصبر الناس فيه فوق ما يتوقعه الصبر منهم؟! هل هناك أكبر من خيانة تيئيس المواطن وتقزيم مناعته وحصانته عبر اللعب بطبيعية الغذاء وتكوينه ونوعيته؟! بعد أن فقد كل الأنواع التي كانت تجعله متكاملاً ، فيكون قوة وسنداً ومحصناً للجسم ضد الأمراض، أي أجسام ستتصدى للأمراض في ظل الجشع والبطر وسرقة المواطن عبر أسعار تفرض وسط حرية لا نظير لها، ووسط تفرج دائم لمن نظن أن واجبهم واختصاصهم مواجهة الفوضى بالأسعار وضبطها وجعلها عادلة لكل الأطراف، طالبنا كثيراً بأسعار تأشيرية عادلة للجميع للمواطن، وللمنتج، وبالتالي لوطن فاجأ الكل بمقدار صبره وتحمّله كل أشكال الإرهاب العسكري والسياسي والفكري والأخلاقي، وهزمناهم عبر جيش عقائدي وشعب مبدع خلاق، فيكون خيارهم الأخطر خيار التجويع ومحاولة التركيع عبر الخنق الاقتصادي المعتمد على خنق الإنسان والإنسانية، تقوم به دول تدعي حقوق الإنسان ودفاعها عنها، ينجحون جزئياً عبر منظومة رفع الأسعار والتي يُفاجأ المتابع والمراقب بسلاسة فرضها وسورة انسيابها وسط آليات منضبطة منسجمة متناغمة، لو كانت في قطاعات العمل والبناء لأُعجب الجميع بها وذُهلوا لجودتها ورتابتها، ولكنها للأسف تماهت مع الحصار والخناق والإرهاب الاقتصادي فخلقت فجوة مخيفة بين القدرة الشرائية للمواطنين، وكمية المبالغ اللازمة لتأمين الحاجات الضرورية، فأحاطت الأكثريةً بخط الفقر والعوز والحاجة، وكلنا يفاجأ من وقاحة الفرض وآخرها ما وجدناه في سعر الزيت الذي وصل اللتر منه لـ ١٢ ألف ليرة، علماً أنه وحسب مختصين مع ربح يصل إلى ٣٠ بالمئة حسب النوع يجب أن يكون ١٠٠٠ ليرة، وللنوعية الممتازة ٣٠٠٠ ليرة، على حساب المختصين، فأي جشع أو غاية وقصد من وراء ذلك؟! ومن يحابي ويحمي المحتكرين والذين يتفاخرون؟ ولكن عندما تنقدهم يسارعون للرد والشجب والكذب والنفاق والذي طالما سمعنا منه.

من المؤكد من قبل الحرب كنا نطالب بدور متكامل للقطاع الخاص الوطني مع العام قبل أن يُخسَّر ويُعرقَل إصلاحه، وما زلنا، ولكن ما عرته السنين الأخيرة للحرب سوّد سمعة ووجوه الأغلبية التي لم تراع وطناً ولا إنسانية، وترافق مع تبريرات وردود أكثر إزعاج، فكثر منهم زايدوا ورفعوا الصوت بالوطنية وخسارتهم لاجل الوطن.

وعندما نلامس الأسعار تتعرى تصريحاتهم ونتساءل: من هي الجهة المسؤولة عن ضبطهم وإعادة الأسعار لطبيعتها وفق الاعتماد على فوترة نظامية؟ وهل الفوضى والعشوائية تدخل ضمن ما مررها نهج اقتصادي كان السبب والمدخل لتهشيم صلابتنا المرتكزة على سياسات سابقة متكاملة أوصلتنا لمؤشرات تتفوق على أغلب دول العالم وتضعنا في مصاف الدول المتقدمة: طبقة وسطى سائدة، تعليم مجاني، صحة متوفرة مجانية، قطاع عام رائد بأغلب الصناعات، أمن غذائي، ميزان تجاري رابح، احتياطي نقدي تجاوز ٢٥ مليار دولار .وكل هذه المؤشرات تبخرت عبر السير ببرامج ونهج تستّر بما هو صائب وقتذاك: اقتصاد سوق اجتماعي، وراح يحابي تجاراً ومحتكرين، ويضعف الإنتاج بأنواعه، ورحنا نتحول إلى ريعيين وقلة منهم تمتلك أغلب القرار.

باختصار، ما يهمنا لماذا نسكت بعد انفضاح اللغز؟ ينخفض سعر الصرف ولو كان وهمياً ولا تتأثر الأسعار المرتفعة، نواجه المضاربين ومهرّبي الأموال ونصل إلى نتيجة، ولكن يبقى للأسعار الأثر السلبي الذي يظل مخيفاً للمواطن مقوّضاً قدرته الشرائية.

ويبقى السؤال ماذا نفعل؟ ومسؤولية من تنزيل الأسعار؟ وما هي الآلية؟ وهل تملك الجهة المسؤولة الصلاحية والأدوات للقيام بذلك؟ وإن كانت تملك فلماذا لا تبادر بشكل حقيقي فاعل وليس ببعض الترقيعات والضربات التي لا تؤثر على الأسعار؟!

وكذلك نتساءل: إن كانت لا تمتلك فلماذا لا نبحث عن بدائل ومنها لجان مشتركة من الشعب والمؤسسات والمنظمات والمجتمع الأهلي وفق دور وهدف واضح: إنزال الأسعار ما دمنا نحن يهمنا النتيجة والغاية والهدف الوطني فلا يعنينا من يقوم بهذا الدور في ظل عدم فاعلية القائمين.

وبالنهاية معيار التقييم لي كان وخاصة في ظل التآمر الإرهابي علينا هو ما نقدمه ونضحي به وليس التنظير.

فكلنا يجل ويحترم الشهداء لأنهم قدموا أرواحاً ودماً حمى الوطن.

وكذلك الجيش والمؤسسة العسكرية لأنهم بتضحياتهم قدموا ما هو منوط بهم وأكثر، حموا العرض والأرض والشرف ووحدوا الشعب.

ونسأل من ينزعج من نقدنا: دعونا نلمس ونرى أعمالكم للوطن والمواطن لنبارككم ونهلل لكم.. وإلا لا تنزعجوا من نقدنا، فالموطن والمواطن أهم وأغلى منكم، ولولا الوطن وخيراته لما كنتم فيما أنتم فيه.

 

العدد 1104 - 24/4/2024