آذار الإنسانية والعطاء

إيمان أحمد ونوس:

هو آذار الربيع وتجدّد الحياة والعطاء.. آذار العابق بمناسبات تليق به وبمن نحتفي بهن/ـم.. فالثامن منه عيد عالمي لكل نساء الأرض، وفي هذا اعتراف جليّ بدور المرأة عبر التاريخ وفي مختلف المجتمعات في صياغة الحياة وتجدّدها يوماً بعد آخر.. المرأة التي أنتشَتْ بذور الحياة بين يديها حين اكتشفت الزراعة.. المرأة الأم وهي تهب المجتمع أجيالاً متعاقبة تعمل على بنائه الذي تُدعّمه معلّمة تغرس فيهم الإنسانية والعلم والفكر والثقافة.

ومثلما تتشبّث في حياتنا وذاكرتنا أمهاتنا وتعاليمهن ووصاياهن، كذلك تتشبّث في ذاكرتنا صورة وتعاليم بعض مدرّسينا وأساتذتنا.. فهنَّ وهُمْ كيان لا تنفصم عراه في الروح والفكر أبداً.. منهم استقينا المعرفة والمفاهيم والقيم، مثلما استقينا الحياة بكل تشعباتها ومتطلباتها وما تريده منّا أو نبتغيه منها.. فهم من زرعوا فينا، ويزرعون في كيان كل إنسان دائماً حبّ الحياة والعلم والثقافة التي لا يمكن أن تُمحى رغم مرور العمر.

فالأم هي المعلّم الأول في الحياة، وما إن تُنتش في رحمها بذرة جنين، حتى تراها دائمة التفكير بالوافد الجديد، كيف سيكون.. وكيف ستربيه ليكون حامل رسالتها في الحياة، وما إن تُبصر عيناه النور حتى تحتضنه بين ذراعيها بدفء يرافقه طوال العمر، وتمدّه بمعارف ومبادئ وقيم لا تفارقه ما دام على قيد حياة وفعل ليكون إنساناً بكل ما تعنيه الإنسانية من قيم وأخلاق وعلم.

أمّا المعلّم/ ـة، فهما الأبوان الروحيان للطفل حين يلج دائرته الثانية في المجتمع- المدرسة- المعلم أب والمعلمة أم للطالب من حيث الرعاية والاهتمام والحنان، وأيضاً الحماية التي يفتقدها بخروجه من البيت، بما يمنحانه من حب وقيم ومعارف تُنمّي مداركه في سنواته الأولى التي تتشكّل فيها شخصيته، يُضاف إليها مختلف أصناف العلوم التي يحتاجها في سنواته اللاحقة والتي تعمل على بلورة أفكاره وقيمه التي تبني شخصيته النهائية خدمة لذاته ولمجتمعه وللحياة.

وفي زمن تغتاله الحروب وتبعاتها من فقر وتشرّد وجوع، صارت مهّام هذا الثلاثي المُقدّس الذي يحتفل ويحتفي آذار بهم مهام عسيرة ومُتشعّبة تنوء بكلكلها الجبال، ورغم هذا نجدهم مُتشبّثين بما منحتهم إياه الحياة من قدرة على التضحية والعطاء والوفاء في زمنٍ تاهت فيه الأخلاق وتصدّعت القيم وتخلخلت المفاهيم حتى تلك التي تمنحهم قدسية اعترفت بها البشرية منذ الأزل. وعلى الرغم من كل ما ذكرناه تجد المرأة بكل حالاتها تتصدّى لكل العراقيل وتكدُّ من أجل من تعيلهم من إخوة أو أبناء أو آباء، مثلما تجد المعلّم/ـة يسعيان بكل عزيمة للنهوض بالأجيال من قاع الحرب وقهرها فقط كي تنجو البلاد من دمار كاد أن يودي بها وبأهلها.

لذا، ليس من قبيل المُصادفة أن يجتمع في آذار الربيع كل تلك المناسبات الإنسانية، وليس بالغريب أن نحتفي بالمرأة/ الأم والمعلّمة والأب المعلّم على قدم المساواة، لأنهما غرسا فينا كل ما نحتاجه ونتطلّع إليه ونحن نغذُّ الخطا على دروب الحياة والحضارة والفكر الإنساني الراقي.. فلهما كل التقدير والشكر والعرفان.

وبعد كل هذا، هل يكفي المرأة، الأم، المعلمة/م يومٌ واحد في السنة للاحتفاء بما يقدمون ويبذلون من عطاء خدمة للإنسانية والحياة!؟

فإليكنَّ يا نساء سورية وأمهاتها ومعلميها تنحني الهامات، وكل عام وأمهات ومعلمو ومعلمات سوريا والعالم بخير وأمل وعطاء لا ينضب معينه.

العدد 1104 - 24/4/2024