الحياة امرأة

وعد حسون نصر:

نعم، كل شيء جميل يحمل صفة الأنثى، من هنا كان لقب امرأة مفرداً لا يمكن جمعه، حتى جمع التكسير لا يشملك، فأنت امرأة واحدة، أم، وأخت لآلاف الرجال، أنت الزوجة، الحبيبة، الصديقة، أنت الابنة الحنون، وإن أرادوا وصف الأشياء الجميلة في الحياة تكون تلك الصفات بصيغة المؤنث، وكلها ترمز للعطاء، الشمعة المنيرة، الشمس الدافئة، والنجمة الساطعة، وطبعاً كلها صفات الأنثى، حتى الآلهة القديمة كانت أنثى، فهي سيّدة الخصب، سيّدة الجمال، وآلهة المطر.

نعم، أنت أسطورة الشرق، أبجدية التاريخ، صانعة الحياة، ورمز الصبر أمنا الخنساء، وهبك الله كل هذا، فكوني دائماً الشجرة الصامدة بوجه الريح متشبثة بالأرض، كوني الحالمة، والمحبة، والكاتبة والشاعرة، كوني قاضية الحق، وكوني سلاح الدفاع عن الظلم، فمن قال: للشعر جنس، وللكلمة جنس، أو لقول الحق جنس!؟ هذه هي المرأة في العالم أجمع، وهنا لا أريد أن أكون تقليدية وأصنّف بأن المرأة نصف المجتمع، بل لأن المرأة إنسان يشكّل مجتمعاً كاملاً، فلا يمكن أن نقف على الحياد، أو نكون النصف أمام عراقيل فرضها واقع صعب على كل جوانب الحياة، ولعلّ أهمها الجانب المادي، ضمن قوقعة الحرب داخل بلدي وفي الدول المحيطة، كذلك بعد وباء اجتاح العالم وفرض علينا حجراً، فصرنا نواجه عدواً أشدُّ عداوة من نار الحرب، لذلك لا يفترض أن نقف على الحياد، فنحن أمهات وأخوات وزوجات، علينا أن نكون صفّاً واحداً إلى جانب الشريك لمواجهة وباء العصر ومرض البلدان النامية (الفقر)، إذ لم يعد الرجل وحده من يقف بوجه تقدم المرأة، بل هناك خطر أقوى على كليهما معاً، العوز المادي والتضخّم الاقتصادي، فلا بدّ أن يترتّب علينا معاً رجالاً ونساء أن نقف بوجه هذه الضائقة التي صرفتنا عن أحلامنا، عن الحب، عن الضحكة، عن الفرح، عن احتضان أبنائنا، عن قبلة الصباح على وجوه أطفالنا، فمن يغيب عنه أن الفقر ظاهرة لا يخلو منها أي مجتمع، مع التفاوت الكبير في حجمها وطبيعتها والفئات المتضرّرة منها، وانخفاض الدخل للفرد أو الأسرة، لابدّ أن تكون المرأة معيلة ومشاركة في المجتمع، فتسهم في تخفيف أعباء كثيرة عن الرجل، وخاصةً في هذا الزمن المفعم بالقهر الناجم عن الغلاء، وضعف قوة الشراء واستغناء الكثير منّا عن سلع تحت مسمّى (كماليات)، وينبغي الاعتراف بالدور الهام للوالد، هذا الزوج الذي غالباً ما يخبئ ضغوط الحياة ويصدّرها للأسرة ضحكة ومحبة وأماناً، لأنه استطاع أن يقدّم جزءاً من المطلوب رغم قهر نفسه بضغط الظروف، فالمعاناة الآن لا تقف عند تحرّر المرأة من سلطة رجل أو نظرة مجتمع أو تهميش، معاناة الجميع في هذا الزمن، قهر وحرمان يمارس على مجتمع بكامله، قرارات تطول قوتنا اليومي ولقمة عيش أطفالنا، لدرجة أن الجميع بات يعمل ليؤمّن المصروف يوماً بيوم. لذلك فإن وقوف المرأة مكتوفة الأيدي عجزٌ كامل لنهضة المجتمع، فنحن نعاني من حصار طال كل نواحي معيشتنا، وهذا ما جعل غالبية النساء يقفن على خط النار لمواجهة علّة العلل: العوز المادي، وبالتالي تقع اليوم على المرأة أعباء وضغوط كثيرة، فإن كنتِ معلمة سيدتي، لابد أن تمتلئ حقيبتك بأصابع الطباشير ودفاتر التلاميذ وكتب الأناشيد، وهنا لا مكان لميل حمرة الشفاه أن يجد له مخبأ في حقيبتك لتزيني به الأنوثة التي خصّك الله بها، وإن كنتِ طبيبة فالدم القاطن على ثوبك الأبيض أبعد عنك رائحة العطر، وغابت عنك القمصان المزركشة التي تزيد فيك الجمال جمالاً، وإن كنتِ عاملة لا يختلف الوضع، ومع أمومتك يكتمل القهر بشقاء بين المنزل والعمل، وهنا لابدَّ أن تضيع الأحلام، فلا مجال للحلم في زمن المادة سبب كل سعادة، وبغيابها ضاعت الأفراح منّا.

طبعاً هذا الوضع يشمل كلٌ من الرجل والمرأة اللذين باتا يبحثان عن ذاتيهما بعيداً عن الفقر والجوع، يبحثان عن لقمة العيش للأفواه المفتوحة التي تنتظر عودتهما للمنزل محمّلين بأطيب المآكل، فهل هناك أشدُّ ظلماً من الفقر لأنه يحجب الروح عن العطاء، والفكر عن الحلم، ويصبح همّنا الوحيد السير بكل الطرق وراء لقمة العيش، وهنا يتساوى كلا الرجل والمرأة تحت سقف خطِّ الفقر مع اختلاف طريقة التعبير عنه، ولكن تبقى معاناة المرأة مرهونة بقدرة هذا المجتمع على النهوض بنسائه ضدّ الجهل، وضدّ قيود فرضتها البيئة، للوصول إلى حياة كريمة تكمّلها المرأة إلى جانب الرجل سواء كانت ربة منزل، معلمة أو طبيبة أو عاملة، لأنها نصف المجتمع، ولا يمكن لمجتمع أن ينهض بنصف واحد فقط.

العدد 1104 - 24/4/2024