التفاوت الطبقي

د. أحمد ديركي:

لم يعد التفاوت الطبقي، ويعبر عنه الرأسماليون بكلمة التفاوت الاجتماعي، مسألة عابرة، حتى لمنظري الرأسمالية. فظاهرة الفروقات الطبقية، بلغة منظري الرأسمالية، أصبحت مسألة خطيرة جداً تهدد وجود النظام الرأسمالي برمته. ولكنهم على الرغم من الحديث عنها لا يتطرقون أبداً إلى المدرسة الماركسية ومقاربتها لهذه الظاهرة.

فقد ظن، في البداية، أن النظام الرأسمالي يمكنه تجاوز هذه الظاهرة من خلال حلول مبتكرة تتماشى مع طبيعة بنيته. وهذا فعلاً ما كان مع بدايات القرن الـ20، ولكن عندما تطور النظام الرأسمالي إلى شكل صيغته الحالية (النيو-ليبرالية)، أو ما يتعارف على تسميته بـ(العولمة)، والتي بدأت منذ عهد تاتشر وريغان، أصبحت ظاهرة التفاوت الطبقي أكثر تجذراً.

لم يظهر على السطح التفاوت الطبقي إلا مع بدايات القرن الـ21، ولكن ظن منظرو الرأسمالية أن النظام يمكنه حل هذا التفاوت، كما فعل سابقاً. لكنهم ارتكبوا خطأ جسيماً بفعلتهم هذه!

ويعود الخطأ الذي ارتكبوه إلى اعتقادهم أن النظام الرأسمالي نظام سرمدي يحل مشاكله ويتطور بشكل مستمر من دون أن يصل إلى نهاية، على اعتبار أن السرمدية لا نهاية لها. من هنا ظهر (منظرون) على شاكلة فوكوياما وهانتغتون ومؤلفاتهم التي ضج بها العالم، وما زال، على الرغم من ثبات عدم مصداقيتها. ومن كتبهم مثلاً (نهاية التاريخ وآخر رجل) (The End of History and the Last Man)، و(صدام الحضارات) (clash of Civilizations).

المضحك المبكي في هذا الأمر ان منظري الرأسمالية عدلوا كثيراً في نظرياتهم، وبخاصة كل من فوكوياما وهانتغتون، والعالم العربي ما زال مغرماً ومسلوباً بنظرياتهم بصيغها الأولى!

قد يكون جوزف ستيغلتز (Joseph. E Stiglitz)، واحد من أبرز منظري الرأسمالية على المستوى الاقتصادي، ومن الحائزين على جائزة نوبل. لفت انتباه ستيغلتز مسألة التفاوت الطبقي فكتب كتاب حول هذه الظاهرة بعنوان (ثمن عدم المساواة) (the Price of Inequality). وقارب المسألة في مراكز الرأسمالية وفي دول خارج المركز، أي في دول المركز والأطراف. كتاب قد يكون مفيداً في بعض الجوانب منه لأنه من المفيد أن يعرف الإنسان كيف يقارب منظرو الرأسمالية أزمة الرأسمالية.

لن نحلل ما ورد في الكتاب، لأن هذا يحتاج إلى بحث معمق ووقت ليس بقصير ولا يمكن اختصاره بمجرد مقال، ولكن سوف نورد الفكرة الرئيسية التي اعتمد عليها ستيغلتز.

حاول ستيغلتز ان يربط بين أبعاد ثلاثة، نادراً ما يقاربها منظرو الرأسمالي، وهي: المجتمع والنظام الاقتصادي والنظام السياسي. وغالباً ما يفصل منظرو الرأسمالية بين هذه الأبعاد وكأن كلاً منها عالم قائم بذاته، وهنا يمكن العودة إلى (صدام الحضارات) لمعرفة ما المقصود.

حرصاً على سلامة النظام الرأسمالي، لا عملاً على إيجاد بديل له، يقول ستيغلتز أن ظاهرة التفاوت الاجتماعي يجب أن تعلج. حيث ان تمركز الثروة في يد حفنة قليلة من الأثرياء تؤثر على بنية النظام الرأسمالي ومدى مقدرته على البقاء. ومن هنا ينطلق بالربط ما بين (الأثرياء) والطبقة السياسية! ليصل إلى القول بأن الأثرياء أصبحوا متحكمين بالنظام السياسي ليعمل وفقاً لمصالحهم. وبهذا على النظام السياسي أن يتفلت من هيمنة الأثرياء ليستطيع إ+نقاذ المهمشين وإلا فقد النظام السياسي مصداقيته وانهار، وهنا ينهار معه النظام الاقتصادي.

فالأزمة برأيه وقوع النظام السياسي تحت هيمنة (الأثرياء) والحل هو التفلت من هيمنتهم وكأن النظام السياسي في الأصل لم يكن في خدمتهم! وبهذا واعتماداً على هذه القاعدة يقدم ستيغلتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، نصائحه لكيفية معالجة التفاوت الطبقي.

يبدو أن ستيغلتز يعي تماماً أن النظام الرأسمالي لا يمكنه أن يلغي التفاوت الطبقي لأن هذا التفاوت أحد ركائزه الأساسية، وجل ما يمكن فعله هو تسكين آلام التفاوت، وهذا ما يقدمه ستيغلتز.

فالتفاوت الطبقي لا يمكن أن يلغى إلا في حالة واحدة ألا وهي توحد الطبقة العاملة والنضال لتحقيق (دكتاتورية البروليتاريا)، حينئذٍ يمكن الحديث عن إلغاء التفاوت الطبقي، ولكن ما دام النظام الرأسمالي قائماً فالعلاقة ما بين النظام السياسي والاقتصادي قائمة على أساس التحالف ضد الطبقة العاملة. وكل الحلول المقترحة من منظري هذا النظام تبقى حلولاً إصلاحية تشبة حبة مسكن الآلام.

العدد 1104 - 24/4/2024