مشاعر إلكترونيّة

غزل حسين المصطفى:

كنتُ أتمنّى أن يكون لابني نصيب مع فتاةٍ عربيّة إن لم تكن سوريّة، لكنّ هي الظُّروف والأقدار شاءت أن يتعلّق قلبه بفتاة أجنبية، جميلة ولطيفة وخلوقة، لكنها ستسحبه باتجاهها ويستوطن وطنها، قد يُسرَق مني!

قلتُ لها: اليوم بات موضوع الزواج للشباب المغترب يؤطّر ضمن مجموعة خيارات، أشيَعُها أن تبحث الأم عن العروس وتترك لهما المجال للتعارف والتفاهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتُتمّم فيما بعد مراسم الزواج والسفر، لِمَ لم تفعلوا كذلك؟ أو لِمَ لم يبحث عن ضالّته عبر الإنترنت؟! رغم تحفّظي على الطريقة!
قالت: حين تحدثنا في الموضوع أجاب ابني حرفياً: (سنتعرف، نتوافق، وقد ننسجم، وحين نلتقي قد ألتقي بإنسانة مختلفة كلياً عن تلك التي حادثتها طويلاً عبر الشبكة، هل تتحملين مسؤولية أنثى لن تجد لنفسها محلاً من الإعراب في حياتي؟ التوافق الإلكتروني لا يعني بالضرورة التوافق واقعياً والانسجام فعلياً، إنها مجرد حُروف تُصفّ، ومشاعر تُترجم، ولكن ليس بالضرورة أن تكون صحيحة سليمة ومثمرة). لذلك قنعت بما قال وتركت له حرية الخيار.
كنتُ أسمع ما سبق وأنظر حولي إلى مجتمعنا السوري خصوصاً وما طرأ عليه من تغييرات استوجبت تغييراً في الطقوس والأساليب، فقد حدّثنا العادات والتقاليد بما يتناسب مع الوقت الحالي.
وكان السؤال: هل تعارف الإنترنت يؤتي أكله ويُمهّد الطريق لحياة زوجيّة صحيحة وأسرة متينة؟
هرعت إلى صديقة لي أسألها، فقد تعرفت إلى زوجها من خلف الشاشة الإلكترونية، وتزوّجا وأثمر الحب بينهما عن طفل.
قلت لها: كيف حدث ذلك؟ لِمَ اخترتِ الشابكة لا الواقع؟ هل هناك شرخ ما بين من عرفتِه إلكترونياً وآخر قد صار والد طفلك؟
قالت: عزيزتي، في البداية كان لمجموعة عوامل يدٌ مؤثّرة في حالتي، فالحاجة العاطفية لأيّ فتاة تجعلها تبحث عن السند والدفء واليد التي تحنو في أيّ مكان وبأيّ طريقة، تبحث عن إنسان يسمع بوحها ويمسح على قلبها بصدق، كما كان للمجتمع كلمته الفصل في حياتي حين كُنت سمراء، فالحظ والحب والدلال لمن أُنعم عليها ببياض بشرةٍ ناصع، وأنا (الله يستر عليها).
كنتُ فتاة تعجُّ بالمشاعر، أسأل عن شخص يقرأ كياني الأنثوي، يُطالع خبايا روحي، لا يسأل عن كُحل عيوني وطول شعري.
لا يمكنني أن أعمّم نجاح تجربتي على كل الأشخاص، فربما عامل المصادفة المتبادل بيني وبين شريكي مهّد لحياةٍ زوجية مستقرة جعلتني أقطع المسافات سعياً إلى القرب منه.
لا أنكر أني قد واجهت بعض الصعوبات في التأقلم مع بيئة ووطن مختلف كلياً عن بيئتي ووطني، فكلٌّ منّا من جنسية مختلفة، لكن الخطوط الأساسية العريضة كانت مرسومة وواضحة بيننا.
وقفت مع نفسي في نهاية المطاف، أسأل عن الأسلوب الأصح والطريقة الأنجح، والظروف من حولنا تتغيّر والعالم يسير في مدارات مختلفة كل يوم.
ربما لم أصل إلى قائمة تُصنف المواقف إلى(صح، خطأ)، لكن رأيت أن المسائل تعود للشخص ذاته وتفاصيل الحكاية.
لكن أنا غزل، لا تقنعني جُمل مصفوفة من خلف الشاشة، وحكايا تُنسج بطريقة مُجمّلة، العواطف تحتاج إلى معترك لتكون أصدق، العواطف تحتاج إلى نظرات عيون وطريق طويل لتكون حقيقية.
ويبقى الموضوع شخصياً.

العدد 1104 - 24/4/2024