أطفالنا المشردون يستحقّون استعادة إنسانيتهم!

إيناس ونوس:

كنتُ بصحبة ابنتي في الشارع فصرختْ مبتهجةً برؤيتها لأحد الكلاب المنزلية، النظيفة والجميلة المنظر، واستوقفتني لتلاعبه وطلبت مني أن أصوّرها معه، وبعد أن أكملنا مسيرنا سألتني: (ماما! لماذا لا تشتري لي كلباً أربّيه في المنزل؟!). سرقني سيل من الأفكار التي اجتاحت رأسي من الرد عليها، عن هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبيرٍ في مجتمعنا في الآونة الأخيرة، في وقتٍ يعيش الناس فيه ضائقةً معيشية لم يسبق لها مثيل، وكم تحتاج هذه الحيوانات للرعاية والاهتمام سواء على الصعيد الصحي أو الغذائي أو المكاني أو …الخ، وكيف يتمكّن أصحابها من القيام بكل تلك المسؤوليات تجاهها في حين نسمعهم يشكون القلّة وانعدام الحيلة؟ غير أن دهشة ابنتي مجدداً أعادتني إلى الواقع، حينما رأت بضعة أطفالٍ مُتّسخي الهيئة يغطون في أكوام القمامة باحثين عمّا يأكلونه، فقالت بكل براءة: (أين أهل هؤلاء الأولاد؟ ولماذا يتركونهم يأكلون من القمامة؟ لماذا ليسوا نظيفين كذاك الكلب الذي سبق أن رأيناه؟!).

كانت أسئلتها البريئة صرخةً في وجه كل من يقضي على الإنسان في بلدي، في وجه كل تلك المظاهر المزيّفة والطاعنة في البذخ مقابل موت آلاف الأطفال جوعاً وبرداً وتشرداً ولا من مهتم!!

لم أتمكن من الإجابة عن الكم الهائل من التساؤلات التي أخذت تُمطر في عقلها الصغير، كيف يمكن لعائلةٍ ما أن تُعنى بتربية كلب أو قطة، في الوقت الذي تصرخ أو تنظر باشمئزاز إلى طفلٍ متسوّلٍ؟ كيف لمعايير الإنسانية أن تنقلب إلى هذا الحد؟ ففي الوقت الذي نرى ونقرأ عن ملايين الأطفال المُشرّدين أو اللقطاء المرميين في الشوارع وحاويات القمامة، وعن مختلف الجرائم التي تتعرّض لها الطفولة في بلادنا، نشهد تنامي ظاهرة تربية الحيوانات المنزلية بشكلٍ مثيرٍ للانتباه. ألهذه الدرجة انعدمت قيمة الإنسان في هذه البلاد؟ ولماذا؟ ومن أجل من أو ماذا؟ ألهذه الدرجة وصلت بنا الحال من رفضنا بعضنا بعضاً وتفضيل التعامل مع الحيوانات على التواصل مع بعضنا، أتستحق فعلاً تلك الحيوانات ما لا نستحقه نحن؟!

لستُ من الرافضين بالمطلق للاهتمام بالحيوانات ورعايتها، لكن التفكير أولاً بما وصلنا إليه من بذخ وترف غير منطقيين في وقت يموت آلاف غيرنا من الجوع دون أن يرف لنا جفن أمرٌ غير منطقي. ثم إذا ما رغبنا أن نهتم بالحيوانات، فما وضع تلك الحيوانات المُشرّدة والتي تتعرض للأذى والقتل اليومي، أليس من حقها أيضاً أن تحيا كمثيلاتها؟ غير أني من أنصار الاهتمام بالإنسان أولاً وقبل كل شيء آخر، وأرى أنه من الأجدر بنا حكومةً وشعباً أن نقوم بالعمل بجدية وفعّالية حسبما تفرضه علينا إنسانيتنا، إن بقي منها شيء، تجاه أولئك الأطفال الذين رمتهم ظروفهم المختلفة إلى الشوارع، ولا أحد يأبه بهم أو يفكّر ولو بإطعامهم على الأقل، فأين وزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسساتها المعنية بشؤون الأسرة؟ أين تلك الجمعيات الخيرية؟ أين نحن من اتفاقيات حقوق الطفل؟ وأين نحن من إنسانيتنا؟

أدرك تمام الإدراك أن كل ما سبق من تساؤلات سيبقى حبراً على ورق، لطالما أن هناك من يسعى لقتل الإنسان كل يوم وبشتى الوسائل، وبدمٍ بارد، رغم كل المبادرات التي يقوم بها بعض الشباب، في محاولةٍ منهم للاهتمام بأولئك الأطفال المشردين، الذين لم يعرفوا معنى لوجودهم أساساً.

العدد 1104 - 24/4/2024