كلٌّ منهم في واد

د. أحمد ديركي:

ما من نظام سياسي، بمفهوم الدولة الحديثة، إلا ويملك استراتيجية محددة وتكتيكاً غير ثابت لتحقيق استراتيجيته المرسومة.

الاستراتيجية، بشكل مختصر، تلك الأهداف التي يرسمها النظام السياسي انطلاقاً من الإيديولوجيا التي يعتمدها النظام في الحكم. وغالباً ما يُعبر عنها بشعار أو بعدد محدد وقليل من الشعارات. وأكثر ما يمكن لحظ هذا الأمر في الحملات الانتخابية، فيطرح كلّ مرشح، أو مجموعة مرشحين، سواء كانوا مستقلين أم لا، شعاراً انتخابياً.

أما التكتيك، بشكل مختصر أيضاً، فهو تلك الآلية أو الآليات التي يتبعها النظام السياسي للوصول إلى تحقيق استراتيجيته. وغالباً ما يكون التكتيك غير ثابت، ويعود هذا إلى تغيرات في الظروف أو ظهور عقبات قد يواجهها النظام في مساره لتحقيق الاستراتيجية. لذا غالباً ما نشهد بعض التغيرات الطفيفة في سياسات بعض الدول ولكن هذه التغيرات الطفيفة لا تلغي الاستراتيجية، بل تُعبر عن أسلوب آخر لتحقيق الاستراتيجية. ويبدو الأمر جلياً فيما يعرف بالبرنامج الانتخابي، وبعبارة أخرى ما البرنامج الانتخابي إلا تكتيك للاستراتيجية.

من هنا يمك القول إن الاستراتيجية التي يؤسس على أساسها النظام السياسي موقعه، وبالتحديد عند ترجمته بشعار، أو أكثر بقليل، يعمل على إيجاد تعبير ودعم لهذا الشعار من قبل الشعب بعد أن يكون قد أقنعهم بصوابية وأحقية هذا الشعار من خلال (أجهزة) (بالمعنى الألتوسيري) النظام.

ومن ثم يبدأ، بشكل مواز، بالعمل على ترسيخ الشعار من خلال التكتيك الذي يتبعه النظام. أي يعمل النظام بآلية معينة للوصول إلى تحقيق هذا الشعار، وبشكل واضح، مطبقاً التكتيك من خلال أجهزته أيضاً.

فيكون التناغم ما بين التكتيك والاستراتيجية في عمل النظام السياسي إحدى أدواته الإقناعية للشعب بأن ما يقوم به النظام يصب في مصلحة الشعب، فيصبح الشعب من خلال هذه الآلية إحدى الأدوات الإضافية لحماية النظام. وهنا يبدأ الحديث عن كسب ثقة الشعب وترجمتها عملانياً.

قد تكون هذه العملية المعقدة، الاستراتيجية والتكتيك، إحدى أبرز أزمات دول العالم اللاصناعي. فهذه الدول إن كان لديها استراتيجية نجد أنها تفتقد إلى التكتيك، وإن كان لديها تكتيك تفتقد الاستراتيجية. أي لا تملك لا استراتيجية ولا تكتيكاً لأنهما مرتبطان معاً. فقدان الاستراتيجية والتكتيك يعني بعبارة أخرى فقدان ثقة الشعب بالنظام، فتصبح (الشعارات) المطروحة من قبل هذه الانظمة السياسية مجرد (شعارات) لا معنى لها أو حتى فعل عملاني لها. من هنا يمكننا لحظ أن شعوب معظم الدول اللاصناعية في وادٍ وانظمتها السياسية في وادٍ آخر.    

العدد 1104 - 24/4/2024