أحلام البطاطا

يسر البيطار:

وضَعَتْ أمّي اليومَ على عاتقي حِمْلاً ثقيلاً جداً وهوَ تحضيرُ الغداءِ للعائلة، وسهّلَت عليَّ المهمةَ بالقول: (لدينا بطاطا، اطبخي بطاطا!).

الموضوعُ ليسَ سهلاً البتَّة! هل أطبُخُها معَ البندورة والبصل وأُلغي شخصيَّتها المطموسة أساساً؟ أم أقليها وأجعَلها ملكةَ السُّفرة؟

الخياراتُ كثيرةٌ أمامي، فالبطاطا المسكينة لم تكُن يوماً محطَّ اهتمامٍ وَحدَها، اللهمَّ إلّا اليوم، فهيَ الفكرةُ العُظمى التي ثنتني عنِ التفكيرِ في حفلِ تخرُّجي ولونِ الكعبِ العالي الذي سيجعلُني أتغلَّبُ بقسوةٍ وشراسة على قِصَرِ قامتي، ويجعلُني شامخةً كالأرزَةِ الكاذبةِ التي لم يتوقفوا عنِ الغناءِ والصياحِ باسمها، والتي اكتشفتُ بذكائي الخارقِ أنَّ نصفَ طُولِهَا: جُذُور!

 والتفكيرِ بيومِ زَفافي أنا وحبيبي، واسم ابننا العبقريّ الذي سيكونُ لهُ أفضلُ أبوينِ مُمكنَينِ في سلسلةِ النوعِ البشريّ العظيم.

هاأنذا في طريقي إلى الملحمةِ التاريخيةِ الكُبرى التي ستجري في المطبخ، أغنيتي المفضلة التي تربُطني بحبيبي البعيد صوتُها عالٍ بعلوِّ صوتِ الجماهير الكادحة التي تصرخُ: (نحنُ جائعون!)، والجوُّ ربيعيٌّ جميل وأنا جاهزةٌ بكلِّ كياني لأمنحَ البطاطا شرفَ أنْ تكونَ مقليَّةً اليوم.

وصلتُ إلى المطبخِ وهمَمْتُ بالتقاطِ حبّاتِ البطاطا لأقشرها، ولكنَّ ما أثارَ دهشتي فعلاً هوَ النقاشُ الذي كانَ مُحتَدِماً بينَ أكبرِ حبَّتينِ، وقفتُ لأنصِتَ إلى الحديثِ الذي سيكونُ أخيراً بينهما قبلَ أنْ أرتكبَ المجزرَة وأُنهي وجودَهُما إلى أجهزةِ عائلتي الهضميّة؛ مصيرٌ دعاني إلى الشفقةِ عليهِما والانتظارِ ليُكمِلا الحديثَ الأخير.

_بطاطا ١: أنا أفضلُ نوعٍ منَ الخُضارِ في العالم، أنا البطاطا القاهرة، أنا التي أمنحُ الحياةَ قيمتَها!

_بطاطا ٢: ما نفعُ اللحمِ إنْ لم يكُن إلى جانبهِ صحنٌ منَ البطاطا المقلية الذهبية الرااااائعة، وما نفعُ الخضارِ الباقية إنْ لم نكُن إلى جانبها في الطبخة؟!

بطاطا ٣: أتعلمُ يا صديقي؟ إنَّ البطاطا هيَ أساسُ الوجود! أنا أعلمُ حقَّ العلمِ أنَّ الشجرةَ المحرَّمةَ التي أكلتْ منها حوّاء هي شجرةُ البطاطا.

(الحديثُ يطولُ بين البطاطا عن عظَمَةِ البطاطا).

انفجرتُ ضاحكةً على البطاطا المسكينة وأفكارِها المسكينة التي جعلَتها تنسى أنها نبتة تنمو في الأرض وليست شجرة، قررْتُ العودةَ إلى غرفتي لأسجِّلَ ملاحظةً على دفتري مفادُهَا (البطاطا، عن جدّ، ما بتنعطى وجه!)، ولتكسبَ البطاطا وقتاً أكبر قبل الفناء.

ما زالت أغنيتي تصدحُ والملاحظةُ صارت على الدفتر، تذكرتُ الأفكار الشاطحة التي كانت تدور في عقلي قبلَ سماعِ حديثِ البطاطا؛ الأربعِ سنينَ الطوالِ التي تفصِلُني عن التخرُّج والكعبِ العالي الأحمر وابني العبقري وفستانِ العُرسِ الذي سأرتديهِ وأنا واقفةٌ إلى جانبِ حبيبي قبلَ تقطيعِ كعكةِ الحفلة.

لَرُبَّما كانتْ أفكاري حالمةً كأفكارِ البطاطا، أو أنّ أصلي بطاطا وليس تراباً!

ومع ذلك كنتُ متشبثةً بفكرةِ الرقصةِ الرائعة مع حبيبي ليلةَ عُرسِنَا!

أخذتني غمرَةُ الأفكار… الوقتُ كانَ قدْ مرَّ سريعاً وصياحُ الجائعينَ تعالى.

ركضتُ إلى المطبخِ لأنهيَ المهزلة وأحضِّرَ الغداء.

فوجدْتُ أمي قدْ وضَعتْ البطاطا في الماءِ لِتَسْلِقَهَا!! وعندما سألتُها عن القَلي، أجابَتْ:

(لقد تأخرتِ كثيراً، استبدَّ الجوعُ، في النهاية: مسلوقة أو مقليَّة… هيَ مُجرَّدُ.. بطاطا!!)

العدد 1105 - 01/5/2024