التكافل الاجتماعي وجه آخر للعدالة الاجتماعية

ريم داود:

لفتتني مؤخّراً مجموعة من المبادرات المجتمعية التي قام بها عدد من الشبّان والشّابات، مبادرات تُرفع لها القبعة حقاً بما فيها من معانٍ سامية وأهداف نبيلة تسعى إلى الدعم والإصلاح والتطوير. فمنها ما كان يسعى لتنظيم المدينة وتجميلها، ومنها ما كان هدفها التعقيم والتطهير، وآخرها كان العمل على تأمين حاجات المرضى من الأدوية في ظلّ انقطاعها. فوسط شلل اقتصاديات العالم واضطراب الأحوال المعيشية، وشلل حركة الشعوب في جميع أنحاء العالم بسبب انتشار جائحة كورونا أو كوفيد 19 الذي غزا العالم بأسره من شرقه لغربه حاصداً أرواح الملايين دون تمييز بين صغير وكبير، الأمر الذي اضطّر حكومات العالم إلى إجراء خطوات وقائية بهدف الحدّ من انتشاره، فأوقفت العديد الأعمال والفعاليات، كما فُرض حظر تجوال على المجتمعات الانسانية ممّا أدى إلى فقدان نسبة كبيرة من أفراد المجتمع لمصدر رزقها وقوتها اليومي، وهذا عمل على ازدياد مظاهر الفقر والعوز التي طالت معظم الأفراد.

 وليس بخافٍ على أحد المشاكل الاقتصادية التي تعانيها الأسرة السورية في يومنا هذا نتيجة الحرب التي شُنّت ولا تزال تُشنّ علينا، حتى أصبحت آثار التردي الاقتصادي والعوز واضحة جليّة على أفراد المجتمع ولاسيما بعد ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية عامة والمستلزمات الطبية بخاصة، وافتقار الأسواق لمعظمها وخاصة الأدوية منها. كل ذلك فرض على المجتمع آلية جديدة في التفكير مُتمثّلة في التفكير (خارج الصندوق) بهدف الحيلولة دون تفاقم هذا الوضع الذي بات الشغل الشاغل للجميع، وقد هبّ الشباب مُبادراً محاولاً تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي الذي من شأنه تقوية الروابط الروحية والمادية للأفراد، وضمان الحفاظ على المصلحة العامة والخاصة، تكافل يضمن ردَّ العقبات والإشكاليات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع.

لقد شهدت الساحة السورية مؤخّراً أشكالاً متنوعة من التكافل، منها ما هو مادي لسدّ رمق وحاجة الفقراء بهدف دعمهم ومساندتهم لتخطي هذه الأزمة بسلام، وهبّت المبادرات المجتمعية متعاونة متعاضدة لتأمين بعض الأدوية لمن هم بحاجة ماسة لها في ظلّ انقطاعها وفقدانها، ومنها ما هو معنوي ذو طابع روحي يتلخّص بتقديم الدعم والمساندة اللازمين في مثل هذه الظروف، وكذلك تقوية روابط العلاقة بين الأفراد، ومثال على ذلك ما حصل مؤخّراً من محاولات جادّة لبعض المبادرات في تأمين فرص عمل للشباب، ذلك أن هذه المشكلة تُعدُّ أهم وأخطر المشكلات التي نواجهها في مجتمعنا في الوقت الحاضر، فضلاً عن الأمور والاتجاهات السلبية التي سيتخذها جيل الشباب في حال لم يتم تفعيل واستغلال طاقاتهم وتوظيفها بالشكل السليم. فالتكافل الاجتماعي والتعاون الجماعي ليس مُجرّد عبارات نرددها وحروف نجمعها، إنما هي ممارسة فعلية وربط الإيمان بالفعل، فهو يعمل على النهوض بالمجتمع خاصة إذا ما مورس بالشكل الصحيح تكافلاً مزدوجاً بين الفرد والجماعة، فالحكومة وفي ظلّ هذه الأزمات الشرسة لن تستطيع النهوض وتخطي هذه المحنة إلاّ إذا ساهم أبناؤها مساهمة حقيقية وجادّة وعملية لتحقيق العدالة الاجتماعية، التي هي الوجه الآخر للتكافل الاجتماعي.

العدد 1104 - 24/4/2024