التعاطف الإنساني الاجتماعي ترياق الأزمات ومرارة الواقع

إيمان أحمد ونوس:

 يُعتبر التعاطف الوجداني الإنساني والاجتماعي من المهارات والقدرات الفردية والجماعية الهامّة داخل البيت أو في المجتمع، فهو حالة وجدانية_ نفسية تُنميها وتُعزّزها التربية والقيم الأخلاقية عموماً. وأولى مؤشّرات تشكّل تلك المهارة بين أفراد الأسرة الواحدة، وتنتقل فيما بعد إلى ساحة المجتمع الواسعة من خلال التعامل الإنساني الإيجابي بين الناس إذا ما استدعت الظروف العامة والخاصة، بما يحمله من تأثير إيجابي على الشخص المُتألم أو المُصاب بأزمة أو مصيبة يصعب عليه تحمّلها منفرداً. لذا يُعتبر التعاطف الإنساني أحد أهم ركائز الدعم النفسي لأنه يقوي من عزيمة الشخص ويشدُّ من أزره، فيجعله إيجابياً إلى حدٍّ ما في تلقيه وتعامله مع ما تعرّض له، لأنه يشعر أن هناك من يمكنه الركون إليه أو الاعتماد عليه.

وخلال الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من عشر سنوات والتي شهد خلالها وما يزال المجتمع السوري بكل شرائحه أفظع الجرائم والمصائب والكوارث والمحن التي تشيب لهولها الولدان، فقد ظهر نوعان من البشر، نوع اتصف بالأنانية المفرطة والفردية الطاغية عملاً بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان، فساد الطمع والجشع والنهب والسرقة بلا أيّ وازع من أخلاق أو ضمير، كتجّار الأزمات الذين أثروا على حساب قوت الناس وجوعهم ووجعهم، وآخرون حللوا لأنفسهم أملاك أُناس فرضت عليهم الحالة الأمنية مغادرة بيوتهم ومناطقهم مُخلّفين وراءهم تلك الأملاك التي باتت نهباً لذوي النفوس الضعيفة والمريضة من لصوص وقطاع طرق، وبذلك بُنيت بيوت على حساب دمار ونهب بيوت أخرى، فأثرى من أثرى وأُفقِر من أُفقِر.

بالمقابل، كان هناك نوع من البشر اتصف بإنسانية لافتة عبر تعاطفه الإنساني والاجتماعي الذي اعتُبر ركيزة هامة وسمة بارزة وواضحة لدى غالبية الناس الذين قد يكونوا مُتضررين كغيرهم وشربوا من الكأس ذاتها، لكن معظمهم نسي مُصابه أمام مُصاب الآخرين فكان لهم عوناً وسنداً وداعماً يُخفف من وطأة الألم وهول الكارثة.

فمنذ بدء تلك الأزمة التي أطاحت بالاستقرار النفسي والأمني والمادي لعموم أفراد المجتمع، كان هناك أُناس ينطلقون مباشرة وبلا مقدمات أو دعوات لمدّ يد العون والمساعدة والمؤازرة للمُحتاجين، سواء على مستوى الدعم النفسي أو المادي وضمن الإمكانيات المُتاحة، للتخفيف من حدّة الصدمة والكارثة من جهة، وكي يحافظوا على كرامتهم الإنسانية والمعيشية من جهة أخرى، ما ساعد فعلاً على تخفيف الأعباء والمتطلبات عنهم، إضافة إلى تقليص شدّة ومدّة وآثار الصدمة النفسية عليهم، ممّا جعلهم يتقبّلون مُصابهم بأقل الألم والحسرة، لينطلقوا في الحياة من جديد بأمل أكبر بفضل تلك المساعدة والدعم.

وأهمّ ما في هذا التعاطف أنه يتجه ليشمل عامة الناس بعيداً عن انتمائهم الديني أو السياسي أو العرقي باعتباره تعاطفاً إنسانياً صرفاً. ونلمس هذا الأمر في الواقع اليومي من أُناس يندفعون لتأمين المأوى للآخرين في بيوت تكتظ بساكنيها، كما يتقاسمون لقمة العيش والشراب والدواء رغم ما أفرزته الأحداث من غلاء معيشي فظيع. كما نرى شباباً يتكاتفون من خلال تشكيل ورشات عمل تطوعية لمساعدة من دمّرت الحرب أو القذائف والصواريخ بيوتهم، وكذلك فتيات بعمر الزهور يُساعدن ربّات تلك البيوت في تنظيفها وتنظيمها، أو يُساعدن الأطفال على تجاوز الخوف والرعب الذي سبّبته الحرب وتبعاتها باصطحابهم إلى الحدائق والملاعب والمنتزهات، أو يُساعدن في تدريس أولئك الأطفال أيام الدراسة، كما نجد فرقاً شبابية تطوعية أخرى من أجل تقديم الدعم والإرشاد النفسي لتجاوز آلام وأحزان ما خلّفته الحرب المجنونة تلك من جهة، والآثار والتبعات الناجمة عن تلك الحرب من عقوبات وغلاء وانعدام إمكانية تأمين البعض لرغيف الخبز أو حبّة الدواء، وهذا ما يترك أثره الإيجابي في نفوس المُصابين أو المُتضررين، ويساعدهم على تجاوز تلك الآلام بزمن أقل وأمل أكبر يزرعه اندفاع الناس وتعاطفهم الذي يُعتبر سمة إيجابية من سمات المجتمعات العربية والشرقية عموماً.

لكن، ورغم أن تلك السمة هي في الأساس سمة فطرية لدى الغالبية في مجتمعاتنا، لكنها في علم النفس والعلاج النفسي للمُصابين بالصدمات ضرورة وركيزة أساسية من ركائز العلاج، يُطالب بها المختص النفسي كي يُخفّف من صدى الصدمة، ويُسرّع من وتيرة علاج المصابين أو المتضررين، لذا على الجميع أن يتحلّى بتلك السمة ويتدرّب على التعامل مع الآخرين من خلالها لنتمكّن أفراداً ومجتمعات من تجاوز هول ما لحق بنا وربما سيطولنا إذا ما استمرت الحالة على ما هي عليه.  

العدد 1102 - 03/4/2024