الفلسفة: دواء لتسكين الواقع أم أداة للتغيير؟

طلال الإمام _ السويد:

تلقيت عبر الإنترنيت منذ فترة من الصديق د. سامر الجمالي كتاب (التداوي بالفلسفة) لمؤلفه سعيد ناشيد.

يثير الكتاب جملة من القضايا، محورها الفلسفة ومفاهيمها ودورها في حياة الفرد. ربما أراد الكاتب من ورائها دفع الفرد في المجتمعات كي يرى الأمور والتغييرات التي تجري داخله وحوله كأداة للتصالح مع الواقع والنظر إليها من زوايا مختلفة، وذلك من أجل أن يمضي سنوات عمره براحة ووئام وعقلانية بعيداً عن القلق والخوف. لكن هذا العمل، بقدر ما يثير قضايا هامة تستحق التوقف عندها، فإنه يطرح أو لنقل، يحرّض على مناقشة بعض الأفكار الواردة فيه، وطرح تساؤلات حولها سواء كنت متفقاً معها أم لا. وهذا يمنح العمل ميزة إضافية.

أعتقد أنه يجب على أي نتاج فكري أو أدبي إثارة تساؤلات لدى المتلقي تحرضه على التفكير في الاّراء الواردة، بغض النظر عما إن كانت متفقة مع الكاتب أم لا.

بداية أرى أن عنوان الكتاب (التداوي بالفلسفة) يثير لدى القارئ التباساً ما.

ماهي الأمراض أو الحالات التي يمكن أن تداويها الفلسفة؟ هل يمكن أن نداوي مثلاً قضايا البيئة، الفقر، الحروب، الأمية، بالفلسفة فقط؟ هل الفلسفة دواء أم هدف أم أداة للتغيير؟

لقد عرفت البشرية، كما أشار الكاتب، مدارس فلسفية مختلفة. تُرى أية فلسفة منها تصلح للتداوي أو للتغيير؟

أخيراً لاحظت أن التوجه هو فقط للفرد وليس للجماعة. علماً أن أي تغيير للواقع يهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان لا يتحقق إلا بالعمل الجماعي كما أعتقد.

سوف أورد مقتطفات مما جاء في العمل مع بعض التساؤلات: تحت عنوان مقومات الحياة: (ثانياً_ متصالحاً مع قدري الخاص. أكف عن مقارنة نفسي بأي قدر آخر لأي إنسان)_ ص 11.

هل يمكن أن نطلب ذلك من فقير يعاني من الاستغلال والتهميش؟

(العالم الذي يعيش فيه الشخص ينقسم إلى قسمين: عالم خارجي لا يتحكم فيه إلا بنحو جزئي ومحدود. وعالم داخلي أفكاره، تصوراته، مواقفه، أمزجته، مشاعره ويبقى تحت سيطرته)_ ص 36.

السؤال: هل فعلاً نحن لا نتحكم بمحيطنا أو عالمنا الخارجي؟ ألا تثبت الاختراعات العلمية، والثورات والتقدم العلمي وبناء الحضارات أنه يمكننا التحكم بعالمنا بشكل من الأشكال، اللهم إلا إذا استسلمنا واقتنعنا بالقضاء والقدر وبأن (كل شيء مكتوب عالجبين)، وفق التعبير الشعبي؟

 جاء في ص38 (لا يمكنني التلاعب بنظام الأشياء حولي، فهذا عبث مدمر)؟ (إشارة الاستفهام من عندي). هل يمكن اعتبار ذلك دعوة للاستكانة وعدم محاولة تغيير أوضاعنا وما حولنا نحو الأفضل للفرد والمجتمع؟ (يكبر حجم اليأس كلما كبر حجم الأمل. وقد يكبر إلى درجة تدمير كل شيء… يكفي أان يتصالح المرء مع قدره الخاص من دون أن يقارن قدره مع أقدار الآخرين (ص 56). هل يمكن اعتبار ذلك دعوة للخنوع للواقع مهما كان سيئاً، وتجريد الإنسان حتى من الأمل بتحسين مستوى حياته؟ (الرضا بالقدر كمفهوم فلسفي، ثمة زمن لمقاومة القدر وثمة زمن لا نملك فيه من سبيل غير مسايرة القدر سواء كان مؤقتاً أو حتى الرمق الخير)_ ص75. (يحق لنا أن نقاوم القدر إلى حد معقول. لكننا نعلم أن ثمة لحظة تصبح فيها مقاومة القدر مجرد عبث وإذلال مجاني للنفس)_ ص 76.

أليس في القولين السابقين الكثير من القدرية والاستسلام لوضعنا الاقتصادي، الاجتماعي أو السياسي مهما كان بائساً؟

أكتفي بهذه المقتطفات والتساؤلات التي قفزت إلى ذهني وأنا أقرأ بمتعة عمل الأستاذ سعيد ناشيد (التداوي بالفلسفة) وهو عمل بُذل فيه جهد واضح ومشكور، أنصح المهتمين بقراءته.

يبقى السؤال الأساسي كما أعتقد هو: هل الفلسفة دواء أم أداة في يد من يريد التغيير نحو الأفضل، التغيير لصالح الفرد والمجتمع؟

العدد 1104 - 24/4/2024