فضاءات ضيقة | “صفعة القرن” واستحقاقات مواجهتها

د. عاطف البطرس:

جاء الإعلان عن صفقة القرن في وقت تدهور وانحطاط العلاقات العربية البينية، وبعد سلسلة أحداث ما يسمى (بالربيع العربي) الذي أدى إلى تدهور أوضاع عدد كبير من الدول العربية، مما أضعف صوت مقاومة المشاريع الأمروصهيونية.

السؤال المطروح لماذا تم اختيار هذا التوقيت علماً بأن الصفقة معدة وجاهزة منذ عام ،2012 كما صرّح بذلك الرئيس الفلسطيني في مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد في إطار جامعة الدول العربية بالقاهرة، معلناً: أن هذه الاتفاقية قدمت له في ذلك العام كما هي عليه اليوم دون زيادة أو نقصان، مما يدل على أن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية ليس له علاقة بصياغتها وإنما هي إنتاج إسرائيلي صهيوني صرف.

جاء الإعلان عنها دعماً لموقف نتنياهو المتهم بقضايا فساد قدم على أثرها إلى المحاكمة، وبإعلان ترامب عن الاتفاقية وبجواره رئيس الوزراء الإسرائيلي مع صهره مهندس الاتفاقية والذي يمارس دوراً هاماً في السياسية الخارجية للولايات المتحدة وبشكل خاص فيما يتعلق بقضايا المنطقة العربية وجوهر الصراع فيها (القضية الفلسطينية) وبذلك يتم تحقيق غايات انتخابية لكليهما.

معروف أن السياسات الخارجية العامة للولايات المتحدة لا يحددها الرئيس، فهي مرسومة وفق استراتيجيات بعيدة المدى ولسنوات طويلة، لكن شخص الرئيس يترك بصمته على الإجراءات والديكورات التزيينية ومنها بهذا الصدد توقيت إعلان صفقة القرن.

لسنا بصدد مناقشة البنود المذلة والمهينة ليسس للفلسطينيين وحدهم وإنما للعرب جميعاً مؤيدين ومعارضين فجوهر الموضوع تصفية القضية الفلسطينية ودفن آمال الفلسطينيين في الوصول إلى حقوقهم المشروعة بإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

أعلن الرئيس محمود عباس موافقته على دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبنفس الوقت أكد رفضه القاطع للاتفاقية وعبر عن حق الفلسطينيين في استخدام المقاومة السلمية بإسقاط اتفاقية الإملاءات والعجرفة الأمريكية الإسرائيلية الصهيونية.

بذلك يكون (محمود عباس) قد ضمأن القيادة الإسرائيلية بعد استخدام السلاح كوسيلة للمقاومة على طريق نزعه وهو موضوع خلاف في صفوف الأشقاء الفلسطينيين.

إعلان عباس هذا مثير للالتباس ويبدو كأنه المالك الوحيد للقضية التي هي أساساً ليست عربية فلسطينية وإنما دولية أيضاً.

مواجهة الصفقة تستدعي توحيد صفوف الفلسطينيين على مختلف التباينات في مواقفهم ومواقعهم ومرجعياتهم، وهذا يتطلب موقفاً موحداً يستند إلى جبهة متراصة لمقاومة المشروع التصفوي.

كما تقتضي ضرورات المواجهة موقفاً عربياً يرتكز إلى الحد الأدنى من التوافقات للتصدي للمشروع المرعب والمهين بحق كل ذي كرامة وطنية أو قومية أو إنسانية.

كما أن المواجهة تملي حراك دولياً واسعاً ليس فلسطينياً وإنما عربياً أيضاً يؤكد على الثوابت الوطنية وعلى حقوق الفلسطينيين وأبرزها حق العودة وإقامة الدولة الوطنية وفق الشرعية الدولية وقرارات الأمم الأمتحدة.

على كل القوى السياسية الفاعلة والمنفعلة أن تعمل كل حسب طاقاتها والإمكانيات المتاحة لها والمتوفرة لديها متجاوزة ضيق الأفق والمصالح الفئوية وصولاً إلى صياغة قواسم مشتركة يتم الاتفاق عليها والعمل على تجسيدها في الواقع العملي.

كما أن على المثقفين والمفكرين ورجالات الأدب والفن أن يكرسوا جهودهم الخلاقة كل وفق أسلوبه وأدواته ومرجعيته الفكرية ومؤهلاته الفنية لمواجهة صفقة القرن التي يخطئ من يعتقد أنها تعني الفلسطينيين وحدهم فهي قضية تخص كل أصحاب الضمائر الحية التي تسعى إلى تحقيق العدالة الإنسانية.

أما رجالات الدين على مختلف توجهاتهم فعليهم إيماناً بشرائعهم ووفاءً لها التي تدعو إلى العدل والمحبة ورفع الظلم عن المظلومين عليهم أن يتداعوا أيضاً إلى التعبير موقف موحد أساسه نصرة الشعوب المكافحة من أجل حقوقها العادلة والمشروعة وفي مقدمة منها الشعب العربي الفلسطيني التي تتعرض قضيته اليوم إلى أكبر مؤامرة خطط لها الصهيونية العالمية مستغلة الوضع العربي المأزوم والطبيعة الشخصية لرئيس الولايات المتحدة الذي ينفس سياستها بكل صلف واستعلاء واستهتار بمصائر الشعوب وحقوقها.

الرد الحازم على صفقة العار هو الرفض القطعي لها وإدانة المتخاذلين ودعاة التطبيع مع العدو الصهيوني وفضح مكائد الولايات المتحدة الأمريكية وكشف عدوانيتها الظاهر منها والمستتر.

فلنوحد جهودها ونحدد أهدافنا وندقق مقاصدنا ولنعمل يداً واحدة فالمشروع بأحدث تجلياته يطال الجميع ولا حياة حرة كريمة لأبناء المنطقة إلا بإسقاطه بكل السبل المتاحة بما فيها الكفاح المسلح كحق وطني وإنساني مشروع للشعوب المضطهدة.

العدد 1104 - 24/4/2024