الصناعة السورية في القاع … هـل اليد الخفية ترعاها الحكومة؟

سليمان أمين:

واقع السوق السورية اليوم بات بازاراً واضحاً للمنتجات التركية بالدرجة الأولى، تليها منتجات أجنبية لدول أخرى متنوعة، في غياب واضح وجليّ للصناعات السورية الرائدة، التي رغم كل الحصار الذي فُرض على بلادنا خلال سنوات الحرب، استمرت ترفد السوق بالمنتجات الأساسية ولم تتوقف أبداً، فمن يقف وراء إيقاف أغلب المصانع اليوم؟ ومن المسؤول عن التلاعب بإيقاف إجازات الاستيراد، ولصالح من؟ وهل باتت الزيوت التركية وغيرها من المنتجات الأساسية المنزلية هي البديل لمنتجنا الوطني؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة واضحة بل إجابات شفافة من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التي أوقفت إجازات الاستيراد للصناعيين، لصالح بعض التجار الذين شاعت عنهم أخبار الحجز الاحتياطي منذ عشرات الأيام، وكذلك وزارة الصناعة التي أعلمنا  أحدُ الصناعيين عن المشكلة والتلاسن الذي حصل بين الوزير والصناعيين في الاجتماع الذي عقد الشهر الماضي، بسبب معاناة الصناعيين وتضييق الوزارة عليهم

لا تعمل المناطق الصناعية في سورية إلا بنسبة 10% من طاقتها القصوى، وأغلب المعامل الكبيرة لم تعد للعمل بعد، ووفق معلوماتنا من الصناعيين فإن كل المنشآت التي تعمل حالياً هي صغيرة أو ذات إنتاج بسيط،  وهذا لا يساعد الاقتصاد السوري على النهوض والعودة من جديد، ما دام أصحاب المنشآت الضخمة ذات الإنتاج الثقيل والهام اقتصادياً لن يعودوا للعمل في سورية، في الظروف الحالية ومع غياب التسهيلات الحكومية التي سمعنا عنها كثيراً في تصريحات مسؤوليها ولم ينفذ منها أي شيء حتى اليوم. ومن المعلوم أن عدد الصناعيين الذين عادوا إلى سورية حتى اليوم يعدون على أصابع اليد الواحدة، ولم يجدوا مناخاً واضحاً وجيداً للاستثمار،  وقدأكد بعضهم  أن الاستثمار خارج سورية أكثر فائدة ويجدون تيسيراً للأمور من خلال التسهيلات التي تقدمها حكومات تلك الدول، وقد لمس كثير من التجار السوريين انفتاحاً وتسهيلاً كبيرين لفتح مشاريعهم الصناعية سـواء في تركيا وغيرها.

سياسة تطفيش الصناعيين هل هي لعبة الحكومة لصالح بعض التجار والصناعيين الأخرين؟

كثيرة هي التصريحات وإعلانات الحكومة السورية عن تشجيعها للصناعة المحلية وأولوياتها تصب بالدرجة الأولى في دعم الصناعة الوطنية، لكنها في الوقت ذاته  تعمل على عرقلة عمل الصناعيين وفق واقع معاناة الصناعيين الذين يخافون أن يصرحوا بها كي لا يصبحوا في مرمى هدف بعض الحكوميين ومن يقف خلفهم من التجار الكبار وغيرهم، ففي ظل العجز الواضح اليوم الذي يعاني منه الصناعيون السوريون من قبل الحكومة، نرى تسهيلات كبيرة لشركات أجنبية ولرجال أعمال معينين  يحصلون على قروض وتسهيلات دون غيرهم، ويُمنحون حق الاحتكار والسيطرة على السوق، في سياسة أقل ما يمكن وصفها بسياسة التطفيش.

وإذا عدنا للحديث عن منح الحكومة قروضاً للصناعيين، يقول لنا أحد الصناعيين: (عدد الصناعيين الذين استفادوا  من القروض التي أعلنت عنها الحكومة قليل جداً،  والسبب يعود لمحدودية سقف القروض وقلتها من جهة، و فوائدها المرتفعة من جهة ثانية، وشروطها التعجيزية وغير المشجعة من جهة ثالثة.  وهذه الأسباب أدت إلى عرقلت مسيرة عودة المنشآت للعمل، فكثير من الصناعيين الذين خسروا منشآتهم في الحرب، لا يملكون رأسمال كافياً لإعادة النهوض بمعاملهم).

أما الكارثة الثانية التي حلت على الصناعة السورية فهي رفع الدعم الحكومي عنها، فبات الصناعي يشتري المازوت والغاز والكهرباء بسعر حر دون دعم، كما طلبت الحكومة من الصناعيين  تأمين المازوت والغاز والكهرباء بأنفسهم من شركات خاصة وغيرها.

إضافة إلى حزمة قرارات اتخذت خلال السنوات الماضية أضرت بالصناعة المحلية بدلاً من تشجيعها، وذلك بشكل علني وصريح، ومن هذه القرارات نذكر:

* تهديد المصدّرين بدراسة إعادة قطع التصدير إلى مصرف سورية المركزي وبالسعر الذي يريده الأخير

* منع دعم القطع الأجنبي الخاص باستيراد الكثير من المواد الأولية التي تدخل في الصناعة المحلية، إذ قلّصت الحكومة قائمة المواد المسموح دعمها بسعر الدولار الرسمي من 40 مادة إلى ،20 وهي تتطلع لخفضها أكثر ضمن ما تسميه بسياسة إحلال المستوردات في سبيل الحفاظ على قطع الخزينة الأجنبي.

* طرد صناعيي القابون من منطقتهم الصناعية وجعلهم يهجرون معاملهم مجبرين متكبدين خسائر بعشرات الملايين.

وهذه القرارات الحكومية غير المسؤولة وغير المدروسة بشكلها الصحيح الذي يخدم الصناعة الوطنية ويعيد لها قوتها ورونقها أدت إلى رفع التكلفة على الصناعيين ودفعهم لتمويل أنفسهم من السوق السوداء، وإدخال المواد الأولية التي يحتاجونها عن طريق التهريب.

منافسة المنتج التركي وغيره أدى إلى كساد المنتجات السورية

تتلخص معاناة الصناعي السوري في عدم قدرته على تصريف منتجاته في السوق الداخلية السورية ولا يستطيع تصديرها للأسواق الخارجية، بسبب الحصار المفروض، مما أدى إلى كساد المنتج السوري، وتراكمت عدة ظروف أدت لتدميره.

غلاء أسعار الألبسة السورية بسبب ارتفاع تكلفة صناعته أمام المصنوعات التركية والصينية وغيرها التي غزت الأسواق لسنوات، إضافة إلى منافستها في الجودة، مما جعل المنتج الأجنبي يسيطر على السوق الداخلية والخارجية، وكسد المنتج السوري. ويعود كساد البضائع لأسباب أخرى أيضاً نذكر منها:

*انخفاض مستوى معيشة السوريين، بسبب ضعف الرواتب وعدم قدرتهم على الإنفاق وسط ارتفاع تكاليف الإنتاج، الذي أدى إلى تضاعف أسعار المنتجات في الأسواق مقابل تدني أجرة العمال المنتجين مقارنةً بسعر منتجهم النهائي، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة وتجمد الأجور وضعفها رغم استمرار سعر الليرة بالهبوط أما الدولار.

*فتح معبري نصيب والبوكمال مع الأردن والعراق لم يكن له أي دور إيجابي على الصناعيين السوريين في تصريف منتجاتهم إلى الأسواق الخارجية، فقد اتخذت الأردن قرارات تضر التصدير السوري، ومنها رفع أجرة الترانزيت، إضافة إلى منعها استيراد عشرات المواد من سورية.

 

*ارتفاع تكاليف التشغيل وانخفاض قدرة السوريين الشرائية مع تراجع قيمة الليرة وسط التضخم الحاصل، وصعوبة تصريف المنتجات، أمور هددت قدرة الصناعيين على الاستمرار بتشغيل منشآتهم، لعدم قدرتهم على جذب العمالة الخبيرة برواتب متدنية تلائم حجم إيرادات معاملهم، وهذا ما زاد من نسبة البطالة والتضخم بشكل عام.

* طلب الحكومة من غرف الصناعة دعم الليرة السورية لم يكن بالأمر المنطقي ولا الصائب أبداً وضرب من الخيال اللامعقول، فالصناعيون السوريون هم بحاجة إلى الدعم وكل التسهيلات الحكومية اليوم لإعادة مصانعهم للعمل ورفد السوق السورية بالمنتجات، لا بطلب الحكومة منهم أن يدعموها!؟

 

أخيراً

رصد حالة السوق اليوم يشير إلى أنه سيئ للغاية، في غياب شبه كامل للشركات الصناعية السورية وخصوصاً شركات تصنيع الزيوت، وذلك بلعبة حكومية واضحة وجلية غير معلوم من يقف ورائها بإيقاف إجازات الاستيراد للمواد الأولية لهذه المصانع، وذلك بمنح بعض المقربين من التجار إجازات استيراد، فالزيوت النباتية التركية تغزو أسواقنا اليوم من دون رقيب ولا حسيب، فمن يُدخلها؟ ومن يتاجر بالوطن وأبنائه اليوم بشكل جليّ وواضح؟ وكم يملك من القوة والسطوة لينفذ مبتغاه؟!

أسئلة نتركها برسم الوطنيين في مؤسساتنا لعّل من شفافية تطرق أبواباً للمعالجة.

العدد 1104 - 24/4/2024