محطات مفصلية في العلاقة الأمريكية السعودية.. تبعية.. ابتزاز واستخفاف

المحامي فؤاد البني:

لم يعد خافياً على أحد علاقة الأسرة السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية منذ توقيع الاتفاق بين الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على ظهر الباخرة كوينسي في البحر الأحمر في الرابع عشر من شباط عام 1945 ، الذي سمح للولايات المتحدة ضمان الحصول على واردات النفط دون تعقيدات مقابل حماية الأسرة السعودية بمواجهة المد القومي العربي، وإيران، والخطر الشيوعي، ويعتبر هذا الاتفاق هو الارتهان الأهم بالعلاقة الأمريكية السعودية.

ومنذ فورة النفط انتهجت السعودية سياسة نشطة لنشر المذهب الوهابي خارج المملكة، مستندة على ما تملكه من موارد هائلة وضخمة، دعمت من خلالها حركات إسلامية متطرفة بهدف إنهاء كل الأنظمة الوطنية، وإقامة أنظمة بديلة مذهبية تدور في فلك الوهابية الصاعدة بتوافق مع الرؤية الأمريكية للمنطقة.

وعن إنشاء الكيان السعودي يقول حاييم وايزمن في مذكراته (التجربة والخطأ) إنه مشروع بريطانيا الأول، أما المشروع الثاني فهو إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين. وفي لقاء له مع ونستون تشرشل في 21/3/1942 قبل سفره إلى واشنطن، قال تشرشل ودون مقدمات: (أريدك أن تعلم يا سيد وايزمن أنني وضعت لكم مشروعاً وهو لا ينفذ إلا بعد الحرب العالمية الثانية، إنني أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط، وكبير كبراء هذا الشرق على شرط أن يتفق معكم أولاً، ومتى تم ذلك فعليكم أن تأخذوا منه ما تريدون أخذه، وليس من شك في أننا سنساعدكم في هذا، وعليك أن تكتم السر، ولكن انقله إلى روزفلت، وليس هناك شيء مستحيل تحقيقه حين أعمل لتحقيقه أنا وروزفلت). بعد هذا القول الصريح الذي ورد على لسان تشرشل ليس بالإمكان أن يشكك في العلاقة التاريخية بين آل سعود والكيان الصهيوني، وتأكدت هذه العلاقة بالرسالة المؤرخة في 27/12/1966 التي أرسلها الملك فيصل بين عبد العزيز إلى الرئيس الأمريكي ليندن جونسون قبل نصف عام من عدوان عام 1967 وتتضمن أن تقوم إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن الحيوية لتضطرها إلى سحب قواتها من اليمن وإشغال مصر عنا (عن السعودية) مدة طويلة لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة ليحاول إعادة مطامح محمد علي وعبد الناصر في وحدة عربية، بذلك نعطي لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية المبادئ الهدامة في البلاد العربية. ثم توجيه الضربة الثانية إلى سورية واحتلال جزء من أراضيها كي لا تسد الفراغ بعد سقوط مصر إلى الأبد، ولا بد أيضاً من الاستيلاء على الضفة العربية وقطاع غزة كي لا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك لقطع أي أمل بالعودة وتحرير فلسطين.

وسبق أن نُشر النص الكامل لهذه الرسالة في جريدة الوطن السورية بالعدد رقم 1843 تاريخ 24/2/،2014 وكذلك في جريدة (النور) في العدد رقم 616 تاريخ 26/2/2014 تحت عنوان (آل سعود والوهابية، حقائق التاريخ ووقائع الحاضر) قراءة وعرض د. خلف الجراد، كيانان ومشروع واحد.

وعن الاستخفاف الأمريكي بالعلاقة مع السعودية، طلب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1973 من المملكة العربية السعودية ومن الملك فيصل تحديداً اعتماد الدولار الأمريكي فقط في بيع النفط السعودي، كما طلب منه أن يستثمر كل أرباح هذا النفط في الخزينة الأمريكية بعقود وسندات أيضاً مقابل الحماية العسكرية الأمريكية للأسرة الحاكمة وحقول النفط، وكان هناك نوع من الملحق لاتفاق كوينسي يسمح بضمان احتكار العملة الخضراء (الدولار) على الرغم من اختفاء الذهب (كغطاء للدولار)، ويرتكز هذا الاتفاق على أمر لم يفكر أحد بمنافسته، فحاجة الاقتصاد العالمي للنفط بكميات كبيرة من جهة، وللدولار لدفع قيمته من جهة أخرى، فكانت الاستجابة المزدوجة من الدول الأعضاء في منظمة (أوبك) مع التزام الولايات المتحدة بتأمين التمويل بالدولار، فعزز الدولار وضعه كعملة رسمية متداولة في سوق النفط والغاز، ومن دون هذا الترتيب (دولار -نفط).

كانت اتفاقية كويستي ستفقد الكثير من جوهرها، وعلى الدوام كانت الولايات المتحدة تسعى لتعزيز وتوطيد اتفاق كويستي لتكريس التبعية السعودية لها.

ويقول الخبير الفرنسي بشؤون الشرق الأوسط كرافي هزيل الذي عمل مستشاراً للأمير عبد الله ولي العهد السعودي ما بين عامي 1971 و،1990 لم يكن عبد الله ملكاً إلا عندما ذهب ليوقع وثيقة كويسني عام 2005 في هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية التي تقضي بتمديد الاتفاق أربعين عاماً، وفيما لو رفض عبد الله تجديد الولاء للحامي الأمريكي فلن يتولى العرش. ولدى عودته من الولايات المتحدة قطع السعوديون العمل مع الملك فهد، ومازال الأمريكيون حتى اليوم يقولون للسعوديين ما يجب عليهم أن يفعلوه. وبعد مرور أكثر من ستين عاماً على العلاقة الأمريكية السعودية أبرمت المملكة مع أمريكا أكبر صفقة أسلحة بالتاريخ بقيمة 90 مليار دولار، يتم خلالها تحديث الأسطول البحري والجوي السعودي.

وعندما تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصب الرئاسة قام بأول زيارة له خارج بلاده في العشرين من أيار 2017 إلى السعودية التي منحته أرفع وسام في المملكة، وهي قلادة الملك عبد العزيز، وبعد رقصة السيف التقليدية في استقبال الملوك والرؤساء عقد ترامب صفقات تجارية وصلت إلى 480 مليار دولار، وعمل ترامب ومازال يعمل على ابتزاز المملكة باعتبارها خزان أموال وتملك مخروناً كبيراً من الطاقة، والمطلوب منها أن تمول المشاريع والحروب التي ترسمها دوائر الاستخبارات الأمريكية، مرغمة من دون أن تكون قادرة على الرفض مقرونة بعدم الاحترام والتهديد ومخالفة أبسط الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الدولية، والقول دائماً على لسان الرئيس ترامب نفسه إن المملكة والأسرة الحاكمة غير قادرة على البقاء والعيش أكثر من خمسة عشر يوماً لولا الدعم والحماية الأمريكية لها، وهذا التهديد والوعيد لم يقتصر على القول لمرة واحدة، بل يتكرر بين فترة وأخرى على مدى السنتين الماضيتين من عهد ترامب.

هذا غيض من فيض عن بعض المحطات للعلاقة الأمريكية السعودية المقرونة بالهيمنة والابتزاز والاستخفاف بالعلاقة وفرض الإملاءات والشروط ورسم الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية للملكة والسعي للعمل على المصالحة مع إسرائيل وإخراج هذه العلاقة من السر إلى العلن باعتبارها دولة صديقة وليست عدوة كما يصورها العرب، وأن الخصم الرئيسي والعدو الحقيقي للملكة هي إيران بعد سقوط الشاه، والعمل على محاربتها بالتعاون مع إسرائيل كحليف استراتيجي في مواجهة ما تدعيه بـ(الخطر الشيعي) ودول محور المقاومة.

وسعت السعودية بإلحاح الطلب من الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، إلا أن أمريكا لم تتماش مع التوجهات السعودية، إضافة إلى دفع المملكة للقيام بحربها على اليمن على مدى السنوات الأربع الماضية، ودمرت البنية التحتية، وأوقعت مئات الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح من دون أن يكون لهذه الحرب هدف مبرر، وتجاهل حقائق التاريخ بأن اليمن كان ومازال وسيبقى مقبرة للغزاة. وقد صمد الشعب اليمني وألحق بالغزاة خسائر وضربات موجعة بالنظام السعودي لمواقع استراتيجية هامة كالدمام ومصافي النفط في وسط السعودية وشركة أرامكو في شرق البلاد، وأسر العديد من الجنود السعوديين وضرب المطارات السعودية.

إن الحرب العبثية للمملكة بتوجيه من الولايات المتحدة والاعتماد عليها في حماية نفسها من أي تهديد داخلي أو خارجي، وتبديد الثروة النفطية الهائلة التي تملكها دون أن يكون لها مشروع سوى التآمر على دول المنطقة بقصد نقل أزماتها من الداخل إلى الخارج، وإطالة أمد حكم الأسرة السعودية، إن هذه السياسة لن يكتب لها النجاح، وسوف ترتد على صانعيها، ولن يطول ذلك كثيراً.

العدد 1102 - 03/4/2024