الحـرب وفقـراء البـلاد

عباس حيروقة:

نعم، ونحن نراقب وصول جثامين الشهداء المحمولة على أكتافٍ منهكة تعبة من رجالات قرانا إلى بيوتها للوداع الأخير، وتلك الزغاريد المضرجة بالدموع وبالنشيج، نعم، ونحن نتأمل تلك الأكف المرتجفة الحنونة والمعبأة بالأرز وبالورود لتنثرها فوق جثمان طاهر ملفع بعلم البلاد، وحين نتأمل آلاف الصور المنتشرة أنّى نظرنا لرجال عاهدوا الله فصدقوا، نعم، ونحن نتجول في أيّ من القرى أو أحياء المدن الفقيرة والبسيطة، وفي أيّ من الأسواق المدارس، محطات الوقود …الخ، تتأكد لدينا مقولة مهمة تناقلتها الأجيال حول مفهوم الحرب ومن يخوضها ومن يحصد نتائجها ويتوزع الأوسمة ويتقلد المناصب …الخ.

فالتاريخ أخبرنا وما زال، أن الحروب حين اشتعالها يكون الفقراء هم وقودها وصناع نصرها، وقرأنا كثيراً عن حروب عالمية كبرى، ولكن أن تقرأ شيء وأن تعيش الحرب بكل تفاصيلها ومفرداتها الدامية شيء آخر.

نعم، الفقراء في سورية هم من يحاربون ويقاتلون ويدافعون وهم في الصفوف الأمامية، لا شك وإثبات ما أتينا به أو عليه لا يحتاج على مراكز بحوث ودراسات ولا إلى عناء ذهن وتفكير، فالأمثلة متوافرة ومتوفرة بين يدينا، وأنّى نظرت في قرانا التعبة النازفة نجد أجوبة دامغة لأسئلة الوطن، ونظرة عامة إلى جدران المدارس والبلديات، أعمدة الكهرباء والهاتف والأشجار، واجهات المحلات، أو دخولنا أي البيوت، ورؤيتنا ما عُلّق على جدرانها وفي صدرها النازف قهراً من صور، نعم، إنهم الشهداء …الشهداء الذين ما زالوا يفتحون نوافذ النور ليطلوا علينا من خلالها، فيبتسمون حيناً ويبكون أحياناً.

نعم، حرب رمت بأبنائها البؤساء الجرحى في ظل زيتونة وجدار، زادت أعداد الأمهات الثكالى والآباء المكلومين واليتامى. في الحرب، الفقير ازداد فقراً وبؤساً والغني ازداد غنى وجشعاً.

نعم، أبناء الأغنياء والمسؤولين والنافذين وتجار الحروب في الخارج ينعمون بمال الشعب وأثمان دمه النبوي.

هي ذي الحرب عندما تشب، ونرى ما نراه وعلى مدار النبض والقلب والروح يتبادر إلى الأذهان أسئلة وأسئلة أهمها:

هل الفقراء يخوضونها دفاعاً عن الوطن، أم عن الأغنياء؟

وتتعزز تلك الأسئلة حين يتعافى هذا الوطن من الحرب ونرى كيف يتقاسم الأغنياء انتصاراتهـم أمام الفقراء.

فقراء كل الأوطان وعلى مدارات الزمن تجد صدورهم ممتلئة بالرصاص وبالشظايا، وأما الأغنياء، الأغنياء فتزين صدورهم الأوسمة والنياشين وبطونهم تمتلئ بالمال الحرام. والحديث يطول ولكن.

لا أجد أبلغ قولاً مما قاله محمود درويش أختم بها مادتي هذه، إذ قال:

عندما تنتهي الحرب

يتصافح القادة…

تبقى الأم تنتظر ولدها

الشهيد.

تبقى الفتاة تنتظر زوجها

الشهيد.

يبقى الأولاد ينتظرون والدهم

الشهيد.

…لا أعلم من باع الوطن

لكنني رأيت من دفع الثمن.

نعم، هي الحرب، حرب يخوضها الفقراء المنتمين لفقرهم، لوطنهم لله، لأنبيائه ورسله، للحياة.

وينهزم ويفرّ منها الجبناء الخونة من أغنياء ومتنفذين، إذ دفعوا وما زالوا للمشوهين خلقياً وأخلاقياً مقابل إبعادهم عن صليل الحرب وقيظها ونارها، وكان لهم هذا لنجد أن من هم في الصفوف الأمامية ملائكة الحرب وأنبياوها ورسلها من فقراء وأبناء فقراء.

العدد 1104 - 24/4/2024