نوع جديد للاتجار بالبشر في سورية وعين الحكومة السورية نائمة

سليمان أمين:

تتعدد أشكال الاتجار بالبشر وقد صُنفت وفق تقرير الأمم المتحدة في 7 أنواع منتشرة في مختلف البلدان وخصوصاً النائية منها، والبلدان التي تعيش حروباً وغيره من الأوضاع غير المستقرة، وقد ظهرت في سورية خلال ثماني سنوات من الحرب ظواهر الاتجار بالبشر بشكل واضح وعلني منها تجارة الجنس (الدعارة) وتجارة الأعضاء البشرية، إضافة إلى تجارة الأطفال وغيره من أنواع مختلفة، كما انتشرت ظواهر أخرى مختلفة يمكن تصنيفها تحت الاتجار بالبشر وتببيض الأموال. ومن هذه الظواهر التي باتت واضحة وجلية التجارة بصحة المواطنين من خلال انتشار الدكتوراه المزورة والوهمية التي يتم بيعها من خلال أشخاص مدعومين، ويعزى سبب تفشي هذه الظاهرة وانتشارها كالنار في الهشيم، إلى غياب الرقابة القانونية للحكومة، وبالأخص وزارة الصحة التي لم نعد نلمس منها سوى اسمها فقط، إضافة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي رخصت الكثير من الجمعيات لأشخاص دون دراسة وضعهم القانوني والعلمي من خلال التنسيق مع وزارة التعليم العالي السورية، وهي المسؤول الأول عن صحة الشهادات المتداولة في المجتمع السوري، وذلك من خلال قانون واضح وصريح يخص تعديل الشهادات والجامعات المعترف بها والمصرح لحاملي شهاداتها بالعمل ضمن أراضي الوطن السوري، وهذه الوزارات مجتمعة يجب ان تكون على صلة وصل وتعاون مع المؤسسة الأمنية والقضاء لعقاب هؤلاء الأشخاص وفق القوانين السورية الرادعة وصولاً إلى القضاء على هذه الظاهرة والحد منها. وكنا قد نشرنا في العدد (647) من صحيفة النور الصادر بتاريخ 20 /8 /2018 ملفاً عن ظاهرة انتشار مراكز العلاج الطبيعي التي تتاجر بصحة الناس دون ضوابط ورقابة صحية، كما نشرنا عن ترخيص وزارة الشؤون الاجتماعية جمعية لمجموعة من الأشخاص يدّعون بأنهم دكاترة تغذية وطب بديل، ونبهنا عن مصدر شهاداتهم غير المعترف بها. وحتى اليوم لم يلق هذا الملف أية معالجة من قبل الحكومة السورية مع أن معظم هؤلاء موجودون في المجتمع ويقومون بأعمالهم بشكل علني من دورات ومنح شهادات ومعالجات للمواطنين وغيره الكثير. وهنا السؤال هل بات المواطن السوري فأر تجارب لهؤلاء؟ وهل أصبحت الدكتوراه مجرد وثيقة نشتريها عبر النت أو من قبل أشخاص؟ هل أُلغيت وزارة التعليم العالي من قاموس الحكومة السورية!؟

 

الإعلام الحكومي مروج حقيقي

قدمت البرامج التلفزيونية عبر قنواتنا الرسمية والإذاعات الخاصة منها خدمة مجانية لأصحاب الشهادات الوهمية المنتحلين لصفات علمية متعددة منها الصحية والجمالية والاجتماعية وغيرها الكثير، ولكن الأكثر خطراً هو المعالجون الطبيون وخبراء التغذية والطب الطبيعي من غير المختصين، والذين انتشروا بكثرة في الآونة الأخيرة، وهذا الترويج غير المسؤول يعتبر سلبياً وغير مهني، فمهمة الإعلام هو التحري والبحث عن الحقائق، فكيف يتم استقبال ضيف دون معرفة تفاصيل شهادته وخبرته بدقة؟ فالإعلامي يقدم هنا خدمة للمواطن ومعلومات يجب أن تكون كاملة وذات مصداقية. وللأسف الكارثة الكبيرة منذ سنوات كانت بإيصال المعلومات الخاطئة وغير العلمية من قبل هؤلاء الأشخاص إلى المواطن السوري.

 

شهادات بريطانية تباع وآرمات منتشرة تحمل صفات وهمية فمن الرقيب؟

يزداد عدد المراكز والمعاهد الصحية بشكل يومي، وقد بدأ بعضها بالتوسع إلى مناطق ومدن أخرى دون رقابة أو رقيب، والسؤال الذي يطرح هو: وفق أية أسس ومعايير تعمل هذه المراكز والمعاهد وكيف حصلت على الموافقات وأصحابها مهندسون زراعيون أو غيره من المهن غير الطبية؟ وفوق ذلك فهم يحملون شهادات من قبل جامعة وهمية تسمى الأكاديمية البريطانية للثقافة البدنية التي أخذت تنتشر شهاداتها في سورية بسرعة كبيرة بسبب عدم المساءلة وغياب الرقابة، ويرعى هذه الأكاديمية التي لا وجود لها واقعياً سوى موقع على النت، رجل عربي يعيش في لبنان، ويدخل إلى بلدنا بكل حفاوة ويكرم مسؤولينا بشهادات دكتوراه فخرية وتقام له المؤتمرات والولائم وغيرها، ويمثل هذه الأكاديمية في سورية مهندس زراعي مدعوم من قبل مسؤولين في البلد، فقد افتتح عدة مراكز له للعلاج الطبيعي بدءاً من اللاذقية وبعدها دمشق، وهو يقوم بمنح شهادات دكتوراه مختلفة الاختصاصات للباحثين عن لقب دكتوراه بأسهل الطرق وكان أخرها منح لقب دكتوراه باختصاص الأطفال لأحد الأشخاص. ولا يقف الأمر هنا بل تعدى ذلك إلى إنشاء مركز لصناعة الأدوية والخلطات المجهولة المحتوى من مواد، وبيعها للمواطنين الذين يتم استقطابهم وترغيبهم بالعلاج الطبيعي، كما انتشرت آرمات تحمل ألقاباً علمية مختلفة تبدأ بصفة دكتور دون حسيب أو رقيب.

 

شهادة كامبريدج العالمية وصلت إلى السوق السورية

انتقلت عدوى منح شهادات من جامعات عالمية إلى أحد المعاهد الذي بدأ بالترويج بأنه يمنح شهادات لدوراته من قبل جامعة كامبريدج البريطانية، فهل يعقل بالمنطق أن تمنح جامعة عريقة مثل كامبريدج البريطانية شهاداتها القيمة لمعهد لا تتعدى الدورة فيه عدة أسابيع أو تتلخص بأشهر؟ وكيف ذلك وببريطانيا تفرض عقوباتها منذ سنوات على بلدنا؟! ,فالمنطق يقول وفق واقع الجامعات إن الجامعات العالمية تتعاون مع جامعات حكومية أو جامعات خاصة مثيلة لها بالاختصاصات وفق معايير وأسس يتم الاتفاق عليها، ولا تمنح وتبيع شهاداتها لمعاهد تجارية، وبما أن الحديث عن جامعة كامبريدج والأكاديمية البريطانية، فقد نشرت صحيفة الغارديان مقالاً واضحاً وصريحاً ونجتزئ منه التالي: (أغلقت بريطانيا 75 جامعة مزيفة خلال السنوات الأربع الماضية على خلفية تحذيرات من أن تجارة الشهادات الوهمية تضر بسمعة نظام التعليم العالي البريطاني في العالم). وقالت صحيفة الغارديان إن هيئة تدقيق شهادات التعليم العالي التي تراقب الشهادات الوهمية أعدت سجلا يضم 243 كلية ومعهداً مزيفاً وهناك أكثر من 200 قضية احتيال بمنح شهادات كاذبة قيد التحقيق منذ عام 2015 ونقلت صحيفة الغارديان عن المديرة التنفيذية لهيئة تدقيق شهادات التعليم العالي جين راولي قولها (إن هذا يضر بسمعة النظام التعليمي العالي في بلدنا ولكنه مشكلة عالمية) مشيرة إلى أن غالبية المواقع الإلكترونية موجودة خارج بريطانيا، ولذلك فإن مكافحة الجامعات الوهمية تتطلب تعاوناً دولياً. وأوضحت الهيئة أن (الجامعات المزورة والشهادات الوهمية تحاول الربح من رسوم التسجيل وخطوط الاتصالات الغالية واجور الدراسة. وقالت إن هذا النوع من الاحتيال يصبح أكثر دهاء بمواقع تبدو ذات صدقية وخدمات تصديق كثيراً ما تكون مماثلة لنظيراتها الحقيقية بما في ذلك أخذ محتوى وأقسام مواد من مواقع جامعية حقيقية). انتهى الاقتباس.

وبالعودة للأكاديمية البريطانية للثقافة البدنية، فقد بحثنا كثيراً عن وجود هذه الجامعة فلا معلومات عنها ولا وجود سوى للموقع الذي يديره شخصان فقط، شخص من لبنان كنا قد ذكرنا أنه هو المدير الأساسي، وشخص أخر باسم مختلف لا نعرف إن كان وهمياً أيضاً (مرفق صورة حصلنا عليها عن شهادة هذه الجامعة الذي لا تحمل أي ختم قانوني للجامعات البريطانية وكذلك لا تحمل أي تصديق من قبل السفارة ولا اعترافاً من قبل وزارة التعليم العالي السورية أو البريطانية).

 

موجز عن قانون تنظيم الشهادات العلمية في وزارة التعليم العالي

المنظومة الإدارية المكلّفة بإدارة مؤسسات الدولة – وتقع في مجلس الوزراء والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش-هي المنظومة المسؤولة عن وجود شهادات مزورة ضمن المؤسسات العامة والخاصة، وخاصةً شهادات الاختصاص والدكتوراة في جميع التخصصات، ذلك أنه يجب أن تكون لتلك الشهادات مرجعية إدارية وقانونية وعلمية، وهي مجلس التعليم العالي في وزارة التعليم، فشهادة الاختصاص أو الدكتوراة الأجنبية او العربية أو المحلية لا يمكن تفعيلها في مؤسسات الدولة دون الحصول على تعديل وظيفي وعلمي في مجلس التعليم العالي، الذي يمنح المتقدم بياناً بمطابقة شهادته لمواصفات التعليم العالي والشهادات التي تمنحها جامعات القطر، إذا حقق الشروط القانونية والعلمية المطلوبة، وهي لائحة كبيرة جداً من الثبوتيات، تتضمن تسلسل سنوات الدراسة النظامي ووثائق النجاح في كل مرحلة من مراحل الدراسة والاختصاص، إضافة إلى وثائق سير الدراسة والاختصاص الممضاة من قبل المشرف أو المشرفين على الاختصاص. لذا فوزارة التعليم العالي لا تقوم بإصدار قرار التعادل إلا بعد التأكد من صحة الشهادة ومن صدورها من جامعة مدرجة في لائحة الجامعات المعترف بها من قبل وزارة التعليم العالي السورية، فيتم إرسال صورة تلك الشهادة إلى سفاراتنا في بلدان الدراسة، وهي تحيلها إلى الجهة مصدر الشهادة للتأكد من صحة صدورها، ومن صحة المعلومات، هذا إذا كان التعادل بناء على طلب شخصي، أما إذا كان بناء على طلب جهة رسمية فيصدر القرار لهذه الجهة ويتم تحديد الغرض من هذا التعادل، ومن ثم يتم التأكد من صحة الوثائق بنفس الإجراءات المذكورة، وفي حال كشف أية حالة تزوير فإن صاحب العلاقة يتحمل كامل المسؤولية، وكل التبعات القانونية والإدارية الناجمة عن ذلك التزوير، لأن ذلك يمس الأمن الوطني التعليمي، ذلك أن عملية معادلة الشهادات هي بمثابة عملية حفاظ على الأمن العلمي الوطني الذي يتعلق بحياة الإنسان ومستقبله وإيجاد المكافئ الأكاديمي الذي يعتبر من أولويات العرف الوطني السوري والأهداف التي تتطلع إليها وزارة التعليم العالي. لذا فكيف يطمئن بعض المخالفين في مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة رغم وجود هذا الشرط القانوني الوظيفي!؟

أخيراً: إلى متى ستستمر هذه الظاهرة الخطيرة؟؟ ومتى نرى علاجاً لها ويحال أصحابها إلى المحاسبة؟ ومتى يرتقي العمل الحكومي بتطبيق القانون ليحمي المواطنين السوريين من الاتجار؟

العدد 1104 - 24/4/2024