ترامب.. من العقوبات إلى قرع طبول الحرب

د. صياح عزام: 

تعيش المنطقة أجواء مسمومة هذه الأيام، فمن الممكن أن تحصل مواجهة عسكرية كبيرة لا يستطيع أحد أن يعرف نتائجها ولا كيف ستنتهي. وهنا تختلف الآراء قليلاً، فالبعض يرى أنها لن تتأخر كثيراً، وآخرون يرون أن الأطراف كلها تحاول تجنب الذهاب إلى جحيم حرب مدمرة وكارثية، خاصة أن دولاً تصب الزيت على النار، وتحرض ليل نهار على أن تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على إيران، وفي مقدمة المحرضين كيان الاحتلال الإسرائيلي وبعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات بشكل خاص.

وعلى الرغم من أن الطرفين الأساسيين في المواجهة المحتملة، أي الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، أعلنتا عدم نيتهما خوض الحرب، إلا أن التحشيد العسكري الأمريكي يخالف ذلك، وبالتالي فإن إيران مضطرة للدفاع عن نفسها، خاصة أن الاستعدادات الأمريكية للحرب باتت ظاهرة للعيان مع قدوم حاملات طائرات وقاذفات (بي 52) العملاقة، وما يقال حول إرسال 120 ألف جندي أمريكي إلى المنطقة.

وإذا ما كانت الإدارة الأمريكية تمارس سياسة حافة الهاوية، لدفع إيران إلى التفاوض والرضوخ للشروط الأمريكية المذلة، فعليها أن تدرك أن إيران لم تخضع للضغوط التي تمارس عليها منذ أربعين عاماً، ولن تخضع اليوم مهما كلفها الأمر من أعباء وتضحيات، علماً بأنها قادرة على إيذاء الولايات المتحدة وحلفائها، فالقواعد الأمريكية في المنطقة كلها في مرمى السلاح الإيراني، وحتى حاملات الطائرات والأساطيل وغيرها. وما من شك في أن هذا التحشيد الأمريكي والتحريض الإعلامي لشيطنة إيران، جاء استكمالاً لإجراءات أمريكية قاسية بدأت بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات مالية واقتصادية عليها، وإدراج الحرس الثوري الإيراني في لائحة المنظمات الإرهابية، وتبني خيار تصفير الصادرات النفطية الإيرانية بإنهاء الإعفاء الذي كان ممنوحاً لثماني دول، ما يعني خسارة إيران عشرات المليارات، كل ذلك وغيره أعقبه هذا التلويح بالحرب العسكرية المباشرة.

من جانب آخر يصب هذه كله في سياق تمهيد الإدارة الأمريكية للإعلان عن صفقة القرن بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. وللتذكير هنا فإن مستشار الأمن القومي الحالي للرئيس ترامب: المجرم بولتون، يتوق لاستخدام القوة ضد إيران، حسب قوله، منذ عام 2015 حتى الآن، ويعمل لتنفيذ ذلك بالتنسيق مع بومبيو وكوسنر وصقور آخرين.

ويذهب بعض المحللين السياسيين إلى القول بأن ترامب لا يميل إلى استخدام القوى العسكرية، لأن مثل هذا الخيار قد يكلفه خسارة موقعه في الرئاسة، خاصة أنه على أبواب السنة الأخيرة في ولايته الرئاسية الأولى، ويضيف هؤلاء المحللون أن ترامب قد يكلف إسرائيل بشن الحرب.

أما حكاية رقم الهاتف الذي أودعه ترامب لدى سويسرا لوضعه تحت تصرف الإيرانيين عندما يقررون الشروع في المفاوضات، فتدل على أن ترامب (الخبير بالصفقات) يتصور أنه قادر على الإتيان باتفاق نووي جديد يحفظ مصالح أمريكا وإسرائيل إلى حد كبير، متناسياً أن خصمه الإيراني لا يمكن أن يرضخ للضغوط، ويُهين كرامة شعبه.

باختصار.. يتضح أن هناك جهات ثلاث تريد الحرب اليوم قبل الغد.. أولها أمريكية ممثلة ببولتون وبومبيو وكوسنر وصقور آخرين. والثانية عربية تضم السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص. والثالثة إسرائيل كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل.

ولكن غاب عن أذهان هذه الجهات، أن لإيران حلفاء أقوياء ومخلصين في حلف المقاومة، وأن لهذه الحرب_ إن بدأها الأمريكيون والإسرائيليون وحلفاؤهم_ أخطاراً كارثية ستنعكس على الاقتصاد العالمي، وتحديداً على حقول النفط والغاز وخطوط نقل الطاقة وتسويقها، التي قد تتعرض للتدمير، وكما هو متوقع، فإن ترامب، كما فشل في فنزويلا وكوريا الديمقراطية والحرب التجارية على الصين، سيفشل في إيران، كما ستفشل معه دول الناتو العربية المعروفة، وستلحق بها أشد الأضرار.

العدد 1104 - 24/4/2024