حملات التضليل المأجورة تقتضي الكشف والمواجهة

محمد علي شعبان:

 ينتابني قلقٌ شديد، من انتشار ثقافة اجتماعية من خلفيات سياسية تهدف إلى تقديم معطيات مضللة لخلق انزياحات في الوعي المجتمعي، دخلت في صفوف المجتمع السوري، وانتشرت في البداية بين بعض أوساط المعارضة، بشكل خجول مع بداية انطلاق الحراك في سورية منتصف آذار 2011، وها هي ذي الآن تتوسع أفقياً بين أبناء الوطن الواحد لتطول جزءاً من الموالاة، لكن معظم المتبنّين لهذه الثقافة، يتناقلونها دون التدقيق في أسباب وجودها ومن يغذيها بغية استثمارها؟

أقصد بالضبط أولئك الأبواق الذين يساوون بين الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في الأزمة السورية، والدور الذي تلعبه روسيا الاتحادية في الأزمة نفسها، معتمدين بذلك على أن كليهما أطراف خارجية تحركهما مصالحهما، دون تمييز بينهما.

ومع معرفتي الشديدة أن روسيا الاتحادية، ليست الاتحاد السوفييتي، وليست شيوعية، وليست جمعية خيرية، وهي دولة رأسمالية بالتأكيد، ولها مصالحها وتعمل من أجلها، إلا أن المساواة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية أمر مستغرَب تماماً.

هل يُعقل أن يتساوى الطبيب الذي يسرق أعضاء المريض ليبيعها، ومن يحاول إسعافه وإنقاذه؟!

هل يتساوى القاضي الذي يحافظ على القانون ويلتزم بأصوله وتطبيقاته، مع من يتجاوز القانون ويفرض تغييره بالقوة، مستخدماً بذلك جميع أساليب الضغط والإرهاب لتحقيق مصالحه، حتى لو أباد شعباً بكامله؟

هل نستطيع المساواة بين من يحمي الأقليات والمستضعفين، ومن يستخدم الأقليات كورقة وأداة لتنفيذ طموحاته التوسعية والعدوانية، مستغلاً حاجتهم إلى الحماية أو الأمان أو وسائل العيش الكريم؟ هل يتساوى من يصنع المنظمات الإرهابية ويحميها، ويمدها بالسلاح والمال، مع من يحاربها ليحمي الأبرياء من طغيانها؟

إن الإدارة الأمريكية ومن يتحالف معها من الأوربيين والعرب، هم أبطال حروب ظالمة دفعت البشرية ملايين الضحايا، والجرحى والمفقودين، والمهجرين، بسبب أطماعهم وطغيانهم.

لا أريد العودة إلى الماضي وتذكيركم بالهنود الحمر، وماذا حل بهم. أقول لكم: عودوا بالذاكرة فقط إلى بداية القرن الحالي وتذكروا الحرب على أفغانستان، وأسبابها ومن قام بها؟ وماذا كانت نتائج الحرب على أهل ذلك البلد المنكوب؟

وكذلك جرح العراق النازف منذ بداية القرن إلى الآن، والحرب الجائرة عليه، من قام بها؟ وما هي أسبابها؟ ومن دفع ضريبتها؟ وماذا فعلت الإدارة الأمريكية عندما انكشف زيف ادعائها بامتلاك العراق أسلحة دمار الشامل؟ هل روسيا الاتحادية هي التي شنت الحرب على العراق وضربت بالقانون الدولي عرض الحائط؟!

لا أحدا ينكر أن لروسيا مصالح في منطقة الشرق الأوسط، وجنوب إفريقيا. ولا أحد ينسى ماذا فعلت الولايات المتحدة بليبيا في نهاية القرن الماضي، والحصار الجائر الذي فُرض على الدولة الليبية، وما هي الابتزازات التي تعرض لها الشعب الليبي، وما هي الضريبة التي دُفعت، لقاء سكوت أمريكا ورفع الحصار عن ليبيا. لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلتزم بوعودها مع أحد. لم تلتزم مع ليبيا، ولم تلتزم مع العراق، لقد خذلت وباعت كل حليف لها ما لم يعد بمقدوره تقديم الخدمات لها.

من صنع القاعدة؟ ومن استثمرها؟ ومن أين جاءت؟

من صنع داعش؟ ومن سلّحها؟ ومن دعمها بالمال والسلاح؟ ومن كان ينقلها بطائراته ليحميها؟ هناك العديد من الروايات التي تُثبت أن داعش صناعة أمريكية، وعلاقتها معها مكشوفة منذ احتلال تدمر وتتحرك بإشارات أمريكية. ثم من أخرج القيادات الداعشية من مدينة الرقة؟! وأين ذهبوا؟!! هل روسيا الاتحادية هي التي صنعت داعش وحمتها؟

ليس عاقلاً من يساوي بين السلوك الأمريكي، الذي يقوم على العدوان والطغيان والتجبر والقهر، والسلوك الذي مارسته وتمارسه روسيا الاتحادية، ليس في سياق الأزمة السورية فقط، إنما في السياق العام مع جميع المستضعفين والمظلومين.

إن قضية الشعب الفلسطيني المظلوم والمهجر، بسبب المواقف المتكررة التي تدعم فيها الولايات المتحدة الأمريكية، حليفها المدلل الكيان الصهيوني الغاصب، وعدد المرات التي استخدمت فيها الفيتو لحمايته يشكل وصمة عار على جبين كل قيادات البيت الأبيض والكونغرس. ويأتي من يساوي بين روسيا الاتحادية وأمريكا!

إن دخول بعض الدول الخليجية في مرحلة انكشاف علاقتها مع الكيان الصهيوني، اقتضى التشويش والتضليل لتغيير قواعد اللعبة، لخلق انزياح في الوعي داخل المجتمع، وتثبيت ثقافة المصالح فقط دون أية معايير أخلاقية أو إنسانية.

إن الإدارة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني، يعملان من أجل تعميق الخلاف وتكبير الهوة بين الدول العربية، وحرف الأنظار عن جرائمهم، وترسيخ فكرة أن البشرية مهددة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط، وأن الكيان الصهيوني حمل وديع يمكن العيش والتعايش معه بسلام.

إن بعض الأصوات المأجورة، التي تعمل لتحقيق الهدف المشترك للإدارة الأمريكية ومن يتحالف معها، يشكلون أدوات رخيصة لخدمة قوى العدوان وأدواته المنتشرة في كل مكان. لذلك يجب كشف مخططاتهم وفضحها ومنعهم من تحقيق أهدافهم العدوانية والتوسعية.

العدد 1104 - 24/4/2024