بنود الموازنة.. كيف؟!

إن أهم مبدأ يدرسه طلاب الاقتصاد في سنواتهم الأولى هو (إدارة ندرة الموارد لتحقيق الأهداف)، لكن هذه المسألة غابت عن واضعي الموازنة السورية، فرغم الانتقادات التي وجهها الخبراء لبنود الموازنة، استمرت الحكومة بتنفيذ بنودها وهاجمت كل منتقديها واتهمتهم بضعف الرؤيا، والكفاءة. لكن، سرعان ما تراجع مجلس الوزراء عن رؤيته بعد شهرين من إقرار الموازنة مصدوماً بقانون (سيزر) وإمكانية فرض عقوبات غربية جديدة على البلاد وارتفاع أسعار القطع الأجنبي.

ولكي يُفهَم الحدث في سياقه لابد من العودة إلى أصل الخلل، إذ يظهر أن طرق وضع الأرقام ضمن الموازنة غير صحيحة على الإطلاق. إن الفكرة الأساسية هي آلية بناء الرقم ضمن الموازنة، وهي تظهر من احتياجات الوحدات الإدارية الأصغر، ثم تتجمع لدى المؤسسة الأكبر، ثم تناقش كل مؤسسة موازنتها مع وزارة المالية.

كانت تطرح تساؤلات دائماً عن كيفية وضع الرقم ضمن هذه المؤسسات وعن المعايير والأسس؟ لم تكن هناك أجوبة، ومع الأسف فإن بناء هذه الأرقام لا يستند إلى معايير واحتياج حقيقي، فكثيراً ما توضع أرقام الإنفاق بشكل عشوائي سنوي تلقائي، مع غياب للرقابة على موضوع الإنفاق، أي التأكد من ذهاب الأموال ضمن حدوده المحدودة مسبقاً. فعملية الرقابة هي كمية وليست نوعية في معظم الأحيان، في حين يضيع جزء منه في قنوات الهدر والفساد، لذا نشاهد عمليات تضخيم في الإنفاق، مقابل شحّ في الموارد على الجهة المقابلة.

عندما طرحت الموازنة للمناقشة في مجلس الشعب، وبعد ذلك، تعرّضَت، كما جرى الحديث، لانتقادات خبراء اقتصاديين رأوا أنها تحتوي تضخيماً للنفقات الإدارية بشكل غير مبرر، وحينذاك لم تجد الأصوات آذاناً مصغية. فهل يعقل أن الحكومة غير قادرة على التنبؤ بنفقاتها وإيراداتها عن شهرين؟ وأين مجلس الشعب أثناء دراسة الموازنة؟ ألم يلحظ تخصيص نفقات لا تتلاءم مع ظروف الحرب؟

عادةً، يبدأ التحضير والإعداد للموازنة منذ شهر حزيران، وطرحت للنقاش في مجلس الشعب في تشرين الثاني، وأُقرّت في كانون الأول.. أي يجري التخطيط عن 12 شهراً من خلال دراسات واجتماعات ولجان ونقاشات لمدة ستة أشهر.. وبعد أقل من ثلاثة أشهر من إقرارها يجري اكتشاف أنه يجب إعادة ترتيب الأولويات! إذاً، على أي أساس جرى إعداد موازنة عام 2019؟ خاصة إذا علمنا أنها لم تستند على أرقام واقعية وفعلية؟

خاتمة القول.. يمكن تكرار ما يحذر منه الاقتصاديون بأن استمرار عنجهية بعض صنّاع القرار وإنكارهم الأولي لنقاط الخلل، كما حدث في كل الأزمات، ثم الاعتراف بها بعد حين، لن يبشّر بتحسّن كبير في الاقتصاد السوري ما لم تتغير العقلية القديمة في طريقة إعداد الموازنات، وهو ما يفرض إصلاحاً مالياً يرافقه مكافحة التهرب الضريبي والفساد، وأن يكون المواطن وتحسين الاقتصاد هو البوصلة، وليس سيادة الوزير.

العدد 1105 - 01/5/2024