عمل المرأة حق وضرورة في المجتمع

حسن البني: 

يُعدُّ الحق في العمل من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لضمان مستوى معيشي لائق، فهو من الحقوق الاقتصادية، لأنه يُؤْمِّن الفرد مادياً واقتصادياً ويوفّر له متطلبات معيشته. كما أنه من الحقوق الاجتماعية لارتباطه الوثيق بالمجتمع، وهو يعني أيضاً الحق في المشاركة في الفوائد العائدة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع الإنساني. إنه حق من حقوق الإنسان التي نصّت عليها المادة 23 من ميثاق حقوق الإنسان، ويتعيّن على الدول أن تكفل عدم ممارسة التمييز فيما يتعلق بجوانب العمل كافة بين الذكر والأنثى بشكل خاص. إلاّ أن المعمول به حتى الآن في مجتمعاتنا العربية هو الحفاظ على حق الرجل دون المرأة والتمييز بينهما في أروقة العمل، إذ يُعتبر العمل نوعاً من الرفاهية والاستثناء للمرأة، أمّا في مجتمعنا السوري بالذات، فلم يعد هذا الحق رفاهية بقدر ما هو ضرورة في خضمِّ الوضع الاقتصادي الراهن، فالمرأة اليوم مُضطرة للعمل جنباً إلى جنب مع الرجل أكثر من ذي قبل، بسبب الظروف المعيشية الراهنة، فالدخل المادي للرجل وحده لا يكفي لإعالة الزوجة والأبناء، حتى مع وجود مصدر رزق إضافي، وذلك بسبب غلاء المعيشة وعدم الاكتفاء، ممّا يستدعي خروج الفتيات عن التقاليد والعادات البائسة التي لا تُشجّع المرأة على العمل، لأن مساعدة المرأة للرجل بالعمل اليوم أصبحت ضرورية، بغضِّ النظر عن مفاهيم المجتمع التي تُحتّم على المرأة أن تبقى ربّة بيت فقط وتتفرغ لتربية الأبناء. كما أن الدستور السوري قد كفل حق المرأة في العمل والمساواة بين الجنسين في كل الواجبات، فالدولة السورية من أكثر دول المنطقة احتراماً وتقديراً لحق المرأة ودورها في المجتمع من جميع الجوانب. إن المنطق يقول إن الدخل المحدود للأسرة السورية سواء قبل الأزمة، أو خلالها، جعل من الضرورة على الرجل والمرأة العمل، وقد زادت الظروف الاقتصادية سوءاً بعد الأزمة كما نرى اليوم، ممّا أزال أي آثار للتمييز بين الجنسين في موضوع العمل، وقد أصبحت المرأة الآن تقبل العمل حتى في المجالات التي تتطلب مجهوداً عضلياً عالياً، وهذا ما كان من الأسباب الإضافية التي دفعتها للمطالبة بحقها في العمل، فالمرأة في مجتمعنا تنظر إلى هذا الحق من منظور إنسانيتها في المقام الأول، وأن القانون والدولة ضمنا حقها في العمل بملء إرادتها، أو رغبتها في البقاء ببيتها وتربية أبنائها، بعيداً عن السلوك الاجتماعي التقليدي والمنقرض، الذي لا يتماشى مع متطلبات المرحلة المعاصرة.

وأحيانا، حتى الدول المتقدمة والتي تنادي وتتشدّق بحقوق الإنسان بين الفينة والأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن النساء فيها، تتمّ إقالتهن من أعمالهن نتيجة للظلم والتمييز، وتدفع لهم معاشات أقلّ من الرجال الذين يعملون العمل ذاته، ففي عام 2006 أثّر الركود الاقتصادي على كثير من النساء العاملات، وقد جرت إقالة النساء العاملات في المقام الأول، في حين تتسلّم المرأة السورية مناصب وزارية عليا ترشّحها لدخول العمل السياسي في الدولة، مقارنة بدول المنطقة التي لا تزال المرأة غير حاصلة على كامل حقوقها حتى الآن، فالحق في العمل في النهاية يكفل عدم استبعاد أي فرد مهما كان جنسه.

العدد 1107 - 22/5/2024