الجولان المحتل سوريٌّ منذ الأزل

سليمان أمين :

في عام 1923 حين رُسمت الحدود الدولية المصطنعة بين فلسطين وسورية، كانت أراضي الجولان داخل الحدود السورية، حتى بالاستناد إلى اتفاقية سايكس_ بيكو بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، وبعد تأسيس سلطة الاحتلال التي سُمّيت الانتداب الفرنسي على بلاد الشام، اعتُمدت الجبال الواقعة شمال الجولان خطوطاً حدودية بين البلدين، أي سورية وفلسطين، ولكن السلطات الفرنسية لم ترسم الحدود بين سوريا ولبنان، وخاصةً منطقة مزارع شبعا وقرية الغجر.

وفي الخامس من حزيران عام 1967 اندلعت الحرب بين الكيان الصهيوني، وكل من سورية والأردن ومصر، وفي التاسع من حزيران، دخل جيش الاحتلال الإسرائيلي الجولان واحتل 1260 كم2 من مساحتها بما في ذلك مدينة القنيطرة، ونزح عدد كبير من سكان الجولان المحتل آنذاك، وبقي بعض سكان القرى الجولانية تحت السيطرة الإسرائيلية رافضين إجراءاتها القمعية ومحاولاتها طمس هويتهم العربية السورية. وفي تشرين الأول 1973 اندلعت (حرب تشرين التحريرية)، وشهدت المنطقة معارك عنيفة بين الجيش العربي السوري وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأثناء الحرب استرجع الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد مساحة كبيرة من أراضي الجولان ومن ضمنها مدينة القنيطرة المحررة.

 

قرار الضم الإسرائيلي (1981)

قرر الكنيست الإسرائيلي ضم الجزء المحتل من الجولان، الواقع غرب خط الهدنة لعام 1974 إلى الكيان الإسرائيلي بشكل أحادي الجانب ومعارض للقرارات الدولية، وأصدر ما سمي بـ (قانون الجولان) الذي لم يعترف المجتمع الدولي به، فقد رفضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقراره رقم 497 في 17 كانون الأول 1981. وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم (الجولان السوري المحتل) كما تشير إليه بهذا الاسم وسائل الإعلام العربية وبعض المنظمات الدولية الأخرى. وقد أكد مجلس الأمن في قراره أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واعتبر قرار الكيان الإسرائيلي لاغياً وباطلًا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي، كما طالب الكيان الإسرائيلي باعتباره قوة محتلة، بأن يلغي قراره فوراً. ومع ذلك لم يفرض مجلس الأمن على الكيان الإسرائيلي أية عقوبات، بل ماطل في اجتماعاته وقراراته التي لم تحمل أية جدوى منذ قرار الضم وحتى إعلان ترامب المشؤوم، وبات الكيان الإسرائيلي يتصرف وكأنه خارج منظومة القانون الدولي، ودون أي اعتبار لقرارات الأمم المتحدة أو الجامعة العربية، حتى في أفضل أحوالها. وبالرغم من أن الكيان الإسرائيلي الصهيوني قد أعرب في بعض المناسبات عن استعداده للانسحاب من الجولان في إطار اتفاقية سلمية مع ترتيبات أمنية خاصة، لكن الأمر لا يعدو كونه نوعاً من المناورات السياسية والاختبارات التي يشرف عليها الكنيست الإسرائيلي ومن يقف خلفه من المنظمات والتنظيمات الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا.

ففي عام 1993 قال رئيس وزراء العدو الإسرائيلي إسحاق رابين إن (عمق الانسحاب من الجولان سيعادل عمق السلام). ولكن المفاوضات الإسرائيلية العربية في ذلك الحين وصلت إلى طريق مسدود في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وفي ظل مطالبة الجمهورية العربية السورية باستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة. وفي وقت لاحق اقترح الكيان الإسرائيلي عبر الإرهابي أيهود باراك الانسحاب إلى الحدود الدولية (حدود 1923) مقابل ترتيبات أمنية خاصة، إلا أن ذلك قوبل بالرفض السوري، كما أنه لم يُدرج في إطار الحلول السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة وراعيي السلام في الشرق الأوسط، أي روسيا والولايات المتحدة الأميركية، مما يظهر الأمر وكأنه مناورة إسرائيلية إعلامية جديدة وإضاعة للوقت، وبحسب تقارير في الصحافة العربية والدولية، فقد رفضت الجمهورية العربية السورية اقتراح الإرهابي أيهود باراك لأنها تُطالب بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من كامل أراضي الجولان المحتل ووفق ما تنص عليه قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة.

 

الجولان.. الأهمية والهوية سورية آرامية

للجولان أهمية كبيرة لما يتمتع به من موقع استراتيجي، وبُعد تاريخي وأثري يشكّل جزءاً هاماً من الهوية السورية المتشكلة عبر العصور، فقد سكن الإنسان السوري الجولان منذ عصور ما قبل التاريخ، ويعتبر الكنعانيون والآراميون سكان الجولان الأصليين في العصور القديمة، وهم من أعطى الجولان اسمه المشتق من الجذر الكنعاني -والآرامي- (ج- و- ل)، وهو جذر لغوي عربي أيضاً من معانيه (جال) و(دار) و(طاف)، ومن مشتقاته (الجُولان) بمعنى التراب الذي تجول به الريح، وقد ورد اسم الجولان في العصور الكلاسيكية بصيغة (جولانيتيس).

وقد احتل الإسرائيليون الجولان عام 1967 بموجب مخططات المنظمة الصهيونية العالمية منذ بدايات القرن العشرين. وبعد الاحتلال عام 1967 شرع الصهاينة بتنفيذ مخطط ضم الجولان بإقامة المستوطنات وجلب المستوطنين اليهود ليحلّوا محل السوريين بالقوة مما أدّى إلى خسارتهم لبيوتهم وأراضيهم ونزوحهم من الجولان، واستمرت هذه العملية الاستيطانية بشكل أوسع بعد حرب تشرين 1973 واتخذت المستوطنات شكلاً عسكرياً دفاعياً باعتبار الخسائر الكبيرة التي تكبّدها الصهاينة في الحرب في جبهة الجولان على يد الجيش العربي السوري. ويجدر بالذكر هنا أنه في إطار تغطيته لمعارك حرب تشرين التحريرية عام 1973 وصف المراسل الحربي والصحافي الألماني (جيرهارد كونتسلمان) في كتابه (المعركة تهدد إسرائيل)، وصف معارك الجولان بين الجيش العربي السوري وجيش الاحتلال الإسرائيلي بدقة كبيرة مبيّناً الخسائر الفادحة التي تكبّدها جيش الاحتلال ضمن فصل حمل عنوان (موت في الجولان). وبالفعل فإنه الموت القادم فعلاً للمحتلين الإسرائيليين.

العدد 1104 - 24/4/2024