(داعش) ماركة متنقّلة لخدمة المصالح الأمريكية

أنطوان شاربانتييه:

لم يعد سراً خافياً على أحد، أن تنظيم داعش الإرهابي وأخواته هو أداةٌ أمريكيةٌ_ صهيونيةٌ تقدم خدماتٍ مزدوجةً، بمعنى أنه يتم إرسال هذه التنظيمات إلى بلدان عدة منها الدول العربية بهدف تحطيمها، وإفقار شعوبها وإخضاع قادتها، وعندما لا يتحقق الهدف كما هي الحال في سورية على سبيل المثال، تنقلب العملية إلى ما يشبه (محاربة الإرهاب) لأجل الأهداف نفسها. فكيف يُصنع الإرهاب؟ ومَن يصنعه؟ ومن يُسهّل له التنقل من منطقةٍ إلى أخرى لخدمة مصالحه يريد في الوقت نفسه محاربته؟

 

داعش أداة متنقّلة

يكثر الكلام في هذه الأثناء عن حربٍ لإنهاء تنظيم داعش الإرهابي، خصوصاً في آخر منطقة يوجد فيها في الشرق السوري (الباغوز) في عملية يعتريها الكثير من الغموض، إذ إنها أتت بمساعدة من قبل قوات سورية الديمقراطية، بعد أن أعلن دونالد ترامب سحب قواته من شمال سورية، ونشير هنا إلى الغضب الإسرائيلي- الكردي الذي رافق هذا الإعلان والرفض الشديد له. هذا السبب المعلن للحرب أي محاربة تنظيم داعش يخفي وراءه أسباباً عدةً أخرى لم تُكشف، وتقف بشكل مباشر خلف معركة الباغوز السورية. وفي هذا السياق فقد كشف القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، في مقابلةٍ له مع قناة (الميادين)، أن أفراداً من تنظيم داعش الإرهابي اعترفوا بأن أطنان الذهب المسروقة من العراق في عام 2014 وتبلغ حوالي 50 طناً من الذهب و400 مليون دولار موجودة في منطقة الباغوز. وهذا يطرح أسئلة عدة عمّا إذا كانت عملية الباغوز هدفها فعلاً إنهاء تنظيم داعش الإرهابي؟ أو هدفها الاستيلاء على الذهب والمال العراقي من قِبل مَنْ يدّعي محاربة التنظيم الإرهابي في آخر معقلٍ رسميٍ له؟ وهل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في الباغوز السوري كما يُروّج له، هو نهاية للتنظيم الإرهابي بشكل كلي فعلاً؟

إعلان دونالد ترامب عن محاربة تنظيم داعش الإرهابي يُعيد إلى الذاكرة تصريحه في 6 شباط خلال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمحاربة داعش، إذ أعلن عن أنه تم القضاء على التنظيم الإرهابي، وأنّ القوات الأمريكية وحلفاءها يعالجون ما تبقى من رواسبه، لكن في الحقيقة إلى الآن ما يزال تنظيم داعش الإرهابي حاضراً وبشكل جدي وعملي في كل من سورية والعراق. وهذا ما يعبر عن التناقض والتخبط الأمريكي في موضوع محاربة الإرهاب بشكل عام وتنظيم داعش الإرهابي بشكل خاص.

في كتابه (على حافة الهاوية) يذكر الدكتور علوان علم الدين تصريح الخبير في شؤون الإرهاب بجامعة جورج تاون، بروس هوفمان الذي يؤكد فيه أنه (على الرغم من مقتل الكثير من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش الإرهابي، إلاّ أن الآلاف تمكنوا من مغادرة سورية، والمؤكد أيضاً أن بعضهم أصبح بالتأكيد في منطقة البلقان، حيث يمكثون بعيداً عن الأضواء بانتظار فرصة التسلل إلى أوربا).

وهذا ما يؤكده أيضاً، في الكتاب نفسه، فيدران دزيهيك، الخبير بشؤون البلقان في المعهد النمساوي للشؤون الدولية، إذ يقول إن (السلفيين والجهاديين والمتطرفين الإسلاميين موجودون في البلقان وبناهم التحتية سليمة. وهم الآن في طور التركيز على بلدان بعينها وعلى المنطقة ككل).

إن المتتبع والقارئ للفكر السياسي والأمني الأمريكي يكتشف بأن محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي تقتصر على نقل التنظيم من منطقة جغرافية إلى منطقة جغرافية أخرى، ممّا لا يبشر بالخير للمناطق التي يُنقل الإرهابيون إليها. فضلاً عن أن منطقة البلقان تشكل في أيامنا هذه الخطر الأول على أوربا، إذ يتم من خلال أراضيها الإضرار بأمن واستقرار أوربا، وهو الأمر الذي يتخوف منه القادة الأوربيون في ظل الأزمات الداخلية المتعددة والمتشعبة التي تعاني منها بلدانهم. وها هو ترامب كما نرى يهدد بوضوح تام أوربا بإطلاق سراح إرهابييها الذين شاركوا في الحرب في سورية والعراق تحت راية تنظيم داعش الإرهابي، والموجودين حالياً في سجون قوات سورية الديموقراطية. وهنا تظهر الشراكة المتينة ما بين جزء من المكون الكردي في سورية، والولايات المتحدة الأمريكية. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد تنصل من كل مسؤولية خلال زيارة الرئيس العراقي برهوم صالح لباريس، وترك للدولة العراقية تقرير مصير الإرهابيين الفرنسيين الموقوفين حالياً في العراق.

ولا بد هنا من التذكير بتصريح وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو في أوائل شهر شباط، الذي كشف فيه عن أن تنظيم داعش الإرهابي يزحف من سورية إلى إفريقيا. وهنا لا بد من أن تتبادر إلى الذهن عدّة أسئلة خلال قراءة تحليلية لهذا التصريح منها: كيف يستطيع تنظيم داعش الإرهابي المحاصر في الشمال السوري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من قوات سورية الديموقراطية وغيرها من المنظمات الأخرى الزحف إلى إفريقيا؟ وما هي علاقة هذا الخطاب بتأجيج الخلاف في بعض دول إفريقيا؟ أم هي مجرد مصادفة؟ وهل تنظيم داعش الإرهابي يزحف إلى إفريقيا فعلاً أم أنه يُنقل إليها لتأجيج الصراع وخوض المعارك والتدخل في المشاكل الداخلية، في سياق المواجهة الكبرى القائمة بين المحور الأمريكي-الصهيوني، ومحور المقاومة ومعه روسيا والصين، كما حصل ويحصل في ليبيا، وسورية واليمن؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن القوى الأمنية الجزائرية أوقفت مجموعة كبيرة من الإرهابيين القادمين من ريف حلب الشمالي، حاولت الدخول إلى الجزائر من خلال الحدود مع نيجيريا.

إن أمريكا التي ساهمت بشكل فعلي ومباشر بإنشاء تنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم داعش الإرهابي وأخواته، كما صرحت سابقاً هيلاري كلينتون، تحاربه اليوم وتقضي عليه من خلال نقله من منطقة إلى أخرى، أو السماح له بحرية التنقل دائماً    وأبداً لخدمة مصالحها.

أخيراً لا بد من التحذير من أن لا شيء أبداً يمنع من أن نرى وجوداً لتنظيم داعش الإرهابي أو ما شابهه من حركات أصولية إسلامية أو مسيحية في أمريكا اللاتينية، لمواجهة فنزويلا وحلفائها. خصوصاً أن سيناريو فنزويلا وما يحضّر لها يُحاكي بطريقة مباشرة ما حصل في سورية منذ ما سمّي (الربيع العربي).

العدد 1104 - 24/4/2024