سينما سوريّة مستقلة على موعد مع أيام القاهرة السينمائية

نوار عكاشه:

تتسارع الأحداث وتتعقد معطياتها ونتائجها، وتغدو الوقائع محيرة وضبابية الفهم، صادمة حد اللامعقول، إنّها المنطقة العربية، وطن الحروب والصراعات، التخبطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عنوانها، والقمع والتكبيل والكتم يُدمي شعوبها، هو أيضاً حال السينما في بلدانها، الرقابات وأهواء المنتجين تحددها وتقيد موضوعاتها، فَكان الحل الوحيد بالتوجه إلى السينما المستقلة، فَهي مساحة مُهيّأة بِرحابتها الفكرية وتحررها الانتاجي لخلق سينما مختلفة ومتجددة، وهو ما تحقق في عشرات الإنتاجات التي حاكت الواقع بتناول مفاهيم حساسة وبعضها ممنوعة في بروباغندا الإنتاج الحكومي، وبعيدة عن اهتمام القطاع الخاص نظراً لِغياب ضمانات العائد المادي لها، لكنها استطاعت لفت الانتباه والتألق في المهرجانات السينمائية العالمية حاصدةً الجوائز وإشادات النقاد، لذا كان من الضروري احتضانها وتوفير فرص العرض المناسبة لها عبر مهرجانات سينمائية خاصة بها.

ومن تلك المهرجانات تحتفي مصر قريباً بالدورة الثالثة من أيام القاهرة السينمائية (من 10 حتى 16 نيسان (أبريل) 2019)، المهرجان الذي أنشأته (سينما زاوية) في عام 2017 بِهدف تسليط الضوء على أحدث الإنتاجات المستقلة للسينما العربية، وخلق فرصة للجمهور المصري للاطلاع عليها تعويضاً لِغيابها عن دور العرض السينمائي، مما جعل المهرجان ملتقىً سنوياً للمهتمين بِصناعة السينما ومشاهدة المتميز من الأفلام المستقلة المحلية والعربية التي سبق أن شاركت في المهرجانات العالمية، وكانت إدارة المهرجان قد أعلنت عن قائمة أفلام الدورة القادمة والتي ستُعرض في (سينما زاوية) بوسط البلد و(سينما الزمالك) بحي الزمالك، وضمت القائمة 33 فيلماً من 10 دول عربية، ستُعرَض ضمن 6 أقسام.

ولأن السينما المستقلة تعتني بتقديم أفلام تعالج مفاهيم مكبوتة كالحريات وحقوق الإنسان والتطرف؛ كان من المؤكد والضروري حضور السوريّة منها في مهرجاناتها، وهو ما سيكون في الدورة القادمة من أيام القاهرة السينمائية بِمشاركة 3 أفلام سوريّة مُستقلة تميزت بِتحقيقها أعظم النجاحات في تاريخ السينما السوريّة، وهي الروائي الطويل (يوم أضعت ظلّي) والوثائقيان الطويلان (عن الآباء والأبناء) و(لسّه عم تسجّل).

يُشارك الروائي الطويل (يوم أضعت ظلّي) (2018 ، 94 د)، للمخرجة (سؤدد كعدان) (1979) في المهرجان مستكملاً رحلته المتميزة من النجاحات الكبيرة في أهم وأعرق المهرجانات حول العالم، الفيلم الحاصل على جائزة (أسد المستقبل) في عرضه العالمي الأول في برنامج (آفاق) ضمن الدورة 75 لمهرجان فينيسيا السينمائي؛ يتابع حصد الجوائز في مشاركاته بِالمهرجانات الدولية، موضوع الفيلم ومحاكاته الحرب السورية في أوجاعها الإنسانية أكسبته اهتماماً خاصاً، فهويروي رحلة ضياع (سنا/سوسن أرشيد) في المنطقة المحاصرة بِضواحي دمشق بعد خروجها بحثاً عن مكان تشتري منه أسطوانة غاز كي تستطيع إعداد طعام لابنها ذي الـ 9 أعوام، أزمات انقطاع الماء والكهرباء والغاز تجعل الحياة شبه مستحيلة في شتاء هو الأكثر قسوة وبرودة في سوريا ،2012 وفي سعيها للعودة إلى بيتها تكتشف (سنا) أن الناس بدؤوا يفقدون ظلالهم في الحرب.

يُعرض الفيلم يوم 13نيسان (أبريل) في سينما (زاوية) ويوم 15 نيسان (أبريل) في سينما (الزمالك).

أما الوثائقي الطويل (عن الآباء والأبناء) (،2018 96د)، للمخرج (طلال ديركي) (1977)، والمرشح لأوسكار أفضل فيلم وثائقي في الدورة الأخيرة لِجوائز الأكاديمية ،2019 حاصل على أكثر من 40 جائزة، ابتداءً من جائزة (لجنة التحكيم الكبرى لأفضل وثائقي أجنبي) من مهرجان صندانس السينمائي ،2018 ومشارك في حوالي 130 مهرجاناً دولياً حتى الآن.

يوثق الفيلم مغامرة صانعه في عقر دار السلفية الجهادية في الشمال السوري، ويتناول علاقة الآباء الجهاديين مع أبنائهم وتأثيرهم عليهم، فالفكر المتشدد وحلم الخلافة الإسلامية يدفع الآباء لتشريب أبنائهم أفكار وعقائد مُشوهة، وبِتعصب أعمى يُلحِقونهم بمعسكرات التدريب العسكري لإعدادهم لِيصبحوا مقاتلين في صفوف القاعدة دون مراعاة صغر أعمارهم وعدم نضجهم الفكري والبدني.

يُعرض الفيلم يوم 10 نيسان (أبريل) في سينما (زاوية) ويوم 16 نيسان (أبريل) في سينما (الزمالك).

كما يشارك في المهرجان؛ الوثائقي الطويل (لسه عم تسجّل) (،2018 120د)، للمخرجين (غياث أيوب) (1989) و(سعيد البطل) (1988)، حصد 5 جوائز في عرضه العالمي الأول في برنامج (أسبوع النقاد) ضمن الدورة 75 لمهرجان فينيسيا السينمائي، وحصل لاحقاً على عدة جوائز من مهرجانات دولية شارك في العشرات منها حول العالم، الفيلم وثائقي عن الحصار في الحرب السورية، يجمع (سعيد) السينمائي الواقع ضمن حصار الغوطة الشرقية؛ مع صديقه (ميلاد) على الجانب الآخر من دمشق الخاضعة لسيطرة الدولة السوريّة، أحد طلاب الفنون الجميلة، الذي يقرر أن ينضمّ لاحقاً إلى سعيد في دوما المحاصرة، ليتقاسما تساؤلات الحياة والموت، الأحلام والواقع، جدوى الفن وسط الدمار… يُنشِئا معاً محطة راديو محليّة واستديو تسجيل ويحاولان إطلاق مشروع لِفن الغرافيتي، لكن الأقدار تحول دون استكماله، وحدها الكاميرا تبقى مُصرة أن تُسجّل كلّ شيء رغم كل الدمار حولها.

يُعرض الفيلم يوم 13 نيسان (أبريل) في سينما (زاوية).

تأتي مشاركة الأفلام الثلاثة في المهرجان بعد تحقيقها نجاحات كبيرة هي الأهم في تاريخ السينما السورية، على صعيد استحسان النقاد والجمهور ومستوى وكم العروض العالمية والجوائز المحصودة، وهو ما يؤكد قدرة السينما المستقلة السورية؛ بِتحررها وثورتها على النمطية والتبعية وإصرارها على التميز والتفوق وتحقيق مكانة مرموقة في الحراك السينمائي العالمي.

العدد 1105 - 01/5/2024