آذار.. وعودٌ وانتظار

ريم الحسين:

وعودٌ بتلافي أزمة المحروقات في نهاية شهر آذار، كأنّك تعد بأن تحفظ اسمك جيّداً! بديهيّ أن تنتهي تلك الأزمة مع اقتراب فصل الرّبيع، وما الهدف وقتئذٍ من توفّرها بعد أن لفح البرد الأجساد؟! أجل، أجل، نحن في حربٍ، ومن قال إنّها ستخرج من ذاكرتنا على الإطلاق؟!

إنّما آذار نفسه يحمل الدّفء، وإن كان فيه بردٌ أحياناً وكما يقول المثل الشعبيّ (خبّي حطباتك الكبار لعمّك آذار)!

الإله (مارس) لم يكن في مطلع عهده إلهاً للحرب بل إلهاً للخصب، وفصل الرّبيع وتكاثر القطعان، وكانت عبادته مقدّمة على عبادة جوبيتر، وتروي الأسطورة أنّ أمّه قد أنجبته من لقاء بينها وبين زهرة خرافية، ولم يتحوّل مارس إلى إله للحرب إلّا في الفترات الرّومانية المتأخرّة. أي هو صراع بين الحرب والخصب، وبين الوعود والحقيقة المطلقة، فهذه الوعود ليست سوى ترجمة لعشرات الوعود الأخرى الّتي تصبّ في خانة (متل قلّتها!).

فلننس توفّر المحروقات الآن ولندرس كيفيّة تلافي الأزمة نفسها الشّتاء المقبل، ولا تفعل شيئاً وعودٌ بتوفرها في الرّبيع أو الصّيف، فقد صُرّح سابقاً على سبيل المثال بأنّ هذا الشّتاء سيكون دون تقنين في الكهرباء، وقد جرى العكس فبعض المناطق لم ترها إلّا قليلاً وبعضها غارقٌ في الظّلام. لننتقل إلى (حزمة) الوعود كما سمّاها البعض، سننتظر زيادة الرّواتب بعد أن زادت الأسعار أضعافاً، تلك الزّيادة الّتي وُعد بها المواطن على شكل إشاعات متتالية أدّت إلى زيادة الأسعار المرتفعة أساساً دون أيّ تغيير في القدرة الشّرائيّة لدى المواطن إلّا نحو الأسوأ، راتب المواطن الحالي أقلّ ما يُقال عنه بأنّه مخجل ومعيب، فكيف ستطلب منه الالتزام والإبداع وتأدية واجبه الوظيفيّ وهو يحصل على فتات لم تعد تكفيه للطّعام والمواصلات؟! وكيف ستمنعه من الرّشوة أو البحث عن مصدر دخل آخر حتى ولو بطرق غير شرعيّة إن لم تؤمّن له أدنى متطلّبات الحياة؟! كيف سيُحارب الفساد بالفساد؟!

لماذا دائماً تأتي الوعود إما دون تنفيذ أو وعود محققّة بكلّ الأحوال؟ لماذا لا نرى وعوداً حقيقيّة تستهدف غلاء الأسعار المرعب والقاتل الّذي أرهق المواطن وجعله حديث العامّة مع أنفسهم حتّى تحسبهم مجانين أو في وضع الانفجار في أيّ لحظة؟ لماذا لا نسمع وعوداً بحلّ أزمة المواصلات والاختناقات الحاصلة في العديد من الشّوارع الحيويّة ضمن العاصمة مثلاً؟ سننتظر السّلع الّتي ستغطّي السّوق وبأسعار مقبولة، بعد أن قامت الجمارك بمحاربة السّلع المهرّبة لتوفير القطع الأجنبيّ وتخفيض سعره مقابل اللّيرة السّورية وإتاحة الفرصة أمام المنتج الوطنيّ، هل حقّاً لدينا منتج وطني بجودة تضاهي أو تعوّض عن جودة المهرّب وبسعر جيّد أم أنّها خطّة مسبقة لدفع عجلة الإنتاج؟ أم هي فقاعة تستهدف من ليس له (دعم) يحميه، وسرعان ماستنتهي!

فلا انخفض سعر الدّولار ولا بدأ الإنتاج ولا زاد، ومازالت السّلع المستوردة أغلى من المهرّبة، ومازال المواطن يمتطي القرارات ويحلّلها ويحاول فهم ما يحصل، فلا هو يفهم ولا ما يُشرَح له يتحقّق!

الضّغط النّفسي والألم اليوميّ وسوء المعيشة هل حقّاً تشكّل هاجساً لدى المسؤولين أم أنّ تلك الآلام تمرّ مرور الكرام؟!

وهل أصبحت إبر البنج والتّخدير الممنهج على هيئة وعود هي الحلّ الأمثل لديهم؟ لكن هل تؤثّر كثرة التّخدير لاحقاً في المريض؟

المواطن مريض، أجل، ويحتاج لعلاج التّدهور الحاصل في كل المجالات والمرافق وإلّا سينتشر المرض الخبيث وينهيه، وعندئذٍ إمّا سيكون ميتاً سريريّاً ولم تعد تؤثّر فيه (الوعود)، أو ميتاً عن القدرة على العمل، وبالتّالي لن نشهد أيّ إنتاج أو أعمال ترتقي إلى مستوى وطن بانتظار بدء إعماره. كيف سنعيد إعمار وطن مع أرواح متعبة وأجساد منهكة، حتّى بتّ ترى الوجوه مكفهرّة غاضبة أينما ذهبت وكأنّ الحياة لم تعد تعنيها بقدر انتظار الموت الرّحيم!

هل سيحمل آذار الرّبيع الحقيقيّ أم سيمرّ كغيره من الأشهر دون تنفيذ وعود أو إصلاحات، فهو نهاية الرّبع الأوّل من العام وعليه تقع مسؤولية ترميم الفجوات لتقييم أداء الخطط وتلافي الأخطاء قدر المستطاع لتكون نهاية العام محققّة لما رُسم لهذا العام؟

نتتظر ربما سئمنا الانتظار، لكنّه العمل الوحيد الّذي مازال المواطن قادراً على تنفيذه حتّى الآن، والبعض اعتزله والبعض مازال يأمل، وبين اليأس والأمل يأتي موسم الزّهر، فإن غفت الوعود فالدّفء قادم ورحمة السّماء.

في كلّ آذار غصّة.. صمت يصرخ

سيزيف…سيزيف!

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1104 - 24/4/2024