شو عم يصير | موضة الأزمات

مادلين جليس:

يبدو أن التغييرات التي طرأت على مجتمعنا، لم تترك شيئاً إلا وألبسته رداء الموضة، حتى باتت هذه الموضة عنواناً لكل تغيير سواء كان محبّذا أم لا، لكن أن تنتقل هذه الموضة إلى الأزمات فهذا الجديد الذي لم يكن متوقّعاً.

ففي الأعوام التي سبقت الأزمة لم تكن كتب التربية الوطنية تخلو من الحديث عن  مشكلتي التصحّر والهجرة من الريف إلى المدينة، بوصفهما من أكبر المشكلات التي تعاني منها سورية، ومن أخطر الأزمات التي تهدد الأجيال القادمة.

وبعدما كان يُخشى من التصحّر على الأراضي الزراعية، بات هذا التصحر يغزو الجيوب والرواتب والحياة المعيشية للمواطن، وبات تصحّر الجيوب أخطر أنواع التصحّر، خاصة أنه يبدأ بالانتشار والامتداد منذ الأيام الأولى لقبض الرّاتب، أي أن الجيوب تكاد لا تشعر أنها شربته حتى ترتوي منه.

وهكذا يمتد هذا التصحر إلى المطابخ، فتبخُّر الراتب قبل وصوله إلى الأيادي، يجعل المطابخ خاوية من أهم مكوناتها، فيؤدي إلى تصحّر حادّ تعاني منه البرادات، وتنقله إلى مِعَد سكان البيت.

أما المشكلة الثانية فكانت (الهجرة من الريف إلى المدينة)، التي أخذت أشكالاً جديدة وأساليب متطورة، ذلك أنها باتت هجرة من جميع المناطق والمدن السورية وإليها، بل إنها انعكست خلال الأزمة التي مرت بها سورية، إذ أصبحت من المدن إلى الأرياف، وخاصة تلك المدن التي تعرضت لأعمال إرهابية تخريبية طالت الشجر والبشر والحجر.

ولم يعد كل مواطن يسكن في محافظته أو مدينته أو حتى قريته، فابن حلب اضطر إلى النزوح باتجاه الساحل، وهرب أبناء دمشق إلى حمص، ومنهم إلى اللاذقية، أما أهالي حمص فمنهم من نزح إلى طرطوس، ومنهم من نزح إلى مصياف، وبعضهم إلى دمشق، وتوزع أهالي المناطق الشرقية، دير الزور والحسكة والرقة، بين دمشق وحمص واللاذقية.

فهل يمكننا أن نعتبر أن الأزمات مثلها مثل أي شيء في هذا العالم، باتت محكومة بالخضوع للتطور والحداثة والموضة، أم أنه لكل زمن أزماته الخاصة به، التي تميزه عن غيره، والتي تجعل من عاشوه يتحسرون على الزمان الفائت وأزماته السابقة.

وهل يعقل أن أولادنا وأحفادنا سيكتبون يوماً على الفيسبوك منشورات تهزأ بأزماتنا التي تخنقنا الآن!؟

العدد 1105 - 01/5/2024