العائد الاجتماعي للاستثمار الخاص

د. عامر خربوطلي:

تلعب نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي دوراً حاسماً في تحديد معدلات النمو الاقتصادي. وحسب الفرضيات الاقتصادية للنمو ومضاعف الاستثمار، فإن تحقيق معدل نمو في حدود 8 -10% سنوياً يحتاج إلى معدلات استثمارية لا تقل عن 34% من الناتج، وهو ما تحتاج إليه سورية، التي تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مضاعفة معدلات النمو والاستثمار، بعد أزمة قاسية مرَّت بها. إن عملية حفز الاستثمار ينبغي أن لا تقتصر على رفع قيمة الاستثمار، بشقّيه الخاص والعام، بل ينبغي أن تترافق بالتخصيص الأمثل للموارد، وامتلاك القدرة على قياس العائد الاجتماعي للاستثمار الخاص، والتوجيه نحو إقامة المشاريع الأكثر فائدة لمجمل الاقتصاد الوطني، وعدم الاكتفاء بمؤشرات الربحية التجارية.

ومن هنا ينظر العديد من الاقتصاديين إلى رأس المال باعتباره أحد عوامل الإنتاج النادرة والأكثر تكلفة، فرأس المال هو المحدد لإقامة المشروع، ومن ثم فإن كفاءة تخصيصه وإدارته يشكل العامل الحاسم في نجاح أهداف المشروع.

إن أي استثمار جديد، سواءٌ قامت به الدولة أو المستثمر الخاص، سوف تكون له جملة من النتائج المباشرة على مجمل الاقتصاد الوطني، ومن هنا تنبع أهمية أن يحقق هذا الاستثمار جميع معايير الجدوى المطلوبة، وأن يعود بأقصى فائدة ممكنة.

وقد مرَّ وقت طويل كان يُنظر فيها إلى المشاريع العامة على أنها آلية لتحقيق أهداف اجتماعية فقط، دون الاكتراث بأهداف الربحية التجارية، مع ما ترافق ذلك من هدرٍ في الموارد، وضعف في كفاءة الأداء، وتراجع في الريعية الاقتصادية.

وفي الوقت نفسه، كان يُترك للاستثمار الخاص مجال تحديد ربحيته التجارية، دون تدخّلٍ مباشر لقياس العائد الاجتماعي لهذا الاستثمار والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ستنجم عنه.

لقد آن الأوان لتحقيق المعادلة الصعبة ولكنّها الممكنة، والمتمثلة في التخصيص الأمثل للموارد، بحيث تتحقق أعلى درجات الربحية التجارية، والربحية الاجتماعية أو القومية للمشروع، خاصاً كان أو عاماً، على حدٍّ سواء.

فدراسة الجدوى الجيدة التي يقوم بها المستثمر الخاص، رغم أنها قد لا تضع ضمن أولوياتها تحقيق الأهداف الاجتماعية، إلا أن مجرد ارتباطها باستراتيجية التنمية الاقتصادية والحاجات المستقبلية يعتبر بحد ذاته نوعاً من المساهمة في الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، عبر توجيه الموارد المستثمرة نحو تحقيق أقصى منفعة لمجمل الاقتصاد الوطني، سواءٌ في تشغيل الأيدي العاملة، أو زيادة حصيلة القطع الأجنبي، أو نقل المعارف والتكنولوجيا، والحفاظ على البيئة.

وفي الوقت نفسه، ورغم تدخل المعايير السياسية والاجتماعية غير معيار الربح في توجيه الاستثمارات العامة، إلا أن هذا لا يعني مطلقاً إهمال دور الربح في توجيه تلك الاستثمارات. ولابد من الاعتماد على الربحية التجارية في اختيار مجموعات المشاريع التي تقام داخل كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الوطني، ولابد أيضاً من التركيز على معايير الربح في الحكم على درجة كفاءة التشغيل وقياس مدى كفاءتها وفعاليتها.

يمكن تحديد مفهوم سياسات الاستثمار بأنها (مجموعة القواعد والأساليب والإجراءات والتدابير التي تقوم بها الدولة لتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الزيادة في الطاقة الإنتاجية، مع توزيع هذه الاستثمارات على القطاعات والأنشطة والأقاليم الاقتصادية، بالشكل الذي يحقق أعلى معدل نمو اقتصادي خلال فترة زمنية معينة.

فمن الضروري تحديد العلاقة بصورة واضحة بين أهداف سياسات الاستثمار، ومعايير الربحية الاجتماعية، من خلال ما يطلق عليه (التخطيط التأشيري) الذي يركز على منح حوافز ومزايا مباشرة وغير مباشرة للمشروعات الخاصة التي تحقق أهدافاً اجتماعية أكبر.

ومن هنا ينبغي التركيز على عملية تحديد مدى مساهمة المشروع الخاص في تحقيق الأهداف الاجتماعية، مع اختلاف الوزن النسبي لكل هدف حسب الأفضليات التي تضعها الدولة.

فهل سنشهد مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في تحقيق الانتعاش الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، في آنٍ معاً؟!

العدد 1104 - 24/4/2024