فضاءات ضيقة | من أجل عالم بلا جدران.. المجد لسورية!

د. عاطف البطرس:

الشعر من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، نشأ مترافقاً مع الرقص والموسيقا، ثم انفصل عنهما ليشكل فناً قائماً بذاته.

من منّا لا يذكر هوميروس وأوفيد ودانتي والمعري والمتنبي وبودلير وإيلوار وبابلو نيرودا وثلة من شعراء العالم استطاعوا بإبداعهم تجاوز الحدود الجغرافية ودخلوا أعماق النفس البشرية مخاطبين المشترك الإنساني فيها؟!

تجمّع شعراء (عالم بلا جدران) نشأ في كولومبيا، حيث تداعى مجموعة من الشعراء من كل أنحاء العالم متجاوزين اللون والعرق والجنسية، في وحدة عضوية هدفها وحدة النفس البشرية، وتحقيق سعادة الإنسان فوق أية أرض وجد، وأي فكر حمل، في دعوة إلى التعاضد الإنساني لخدمة شعوب الأرض وتحطيم الحواجز بين البشر.

قرر المجتمعون أن يكون شهر شباط من كل عام مهرجاناً احتفالياً في أرجاء المعمورة، تقام فيه الأنشطة الأدبية من أمسيات وقراءات في الأجناس الأدبية كافة.

لأول مرة يجتمع عدد من الشعراء السوريين، في ملتقى شعري، ينشدون أشعارهم مساهمة ومشاركة لشعراء العالم بإحياء يوم الشعر تحت شعار (المجد لسورية).

صحيح أن الحركة عالمية، وتحاول تجاوز الحدود، إلا أنها لا تلغي الخصوصيات الثقافية، لأنها في جوهرها تقوم على أساس التعددية الثقافية التي تسم العالم المعاصر الذي لا يمكن إلا أن يكون منفتحاً بفضل وسائل الاتصال والمواصلات وأشكال المبادلات الثقافية.

أعطي كل شاعر ما بين 3 و5 دقائق ليلقي قصيدة واحدة، وتتالى على المنبر أكثر من عشرين شاعراً، يمثلون لونيات شعرية مختلفة، جاءت عبر أشكال فنية تعكس التجربة الشعرية في سورية.

كان معظم الشعراء من جيل الشباب عمرياً قدموا تجارب مختلفة، تبشر بمستقبل واعد لحركة الشعر في سورية.

أهم ما في المهرجان سيادة روح الإخاء والمحبة والألفة، على تباين مستويات الشعر المقدم، كما أن التقيد بالانضباط وحسن التلقي ساعد على نشر روح الجماعة في هذا اللقاء الجميل.

يطرح هذا اللقاء سؤالاً قديماً جديداً: تُرى، ما هي وظيفة الشعر؟ وما هو دوره في العالم المعاصر، الذي يطفح بالتناقضات والصراعات، وتنتهك فيه الكرامة الإنسانية وتسوده شريعة الغاب، وتتعاظم فيه نزعات القوة والتفرد والهيمنة؟ وهل يستطيع أن يلجم النزوع العدواني المسيطر على عالم لم يستطع العقل فيه أن يكون موحداً وقائداً له.. العقل الذي مازلنا نعيش ثمار انتصاراته، ونعاني من نكسات هزائمه؟!

الشعراء والأدباء والكتّاب والمفكرون، مهندسو النفس البشرية، وبمقدار وفائهم للمشترك الإنساني، ووقوفهم ضد الظلم والطغيان ومناصرتهم لقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية والتكافؤ في العلاقات الدولية، والتعامل على أساس حق جميع الدول والشعوب وحريتها في اختيار طرق وأساليب إدارة بلدانها، بعدم التدخل في الشؤون الداخلية فيها، والعمل على بناء علاقات دولية، حجر الزاوية فيها صيانة السلم العالمي والتفكير بمستقبل البشرية المهددة بالحروب وبانعدام الشروط الإنسانية لحياة أبنائها.. وفق شريعة حقوق الإنسان الدولية.

الشعراء هم رسل محبة، ودعاة التلاحم الإنساني، وهم إذ يعيدون صياغة العالم بمخيلتهم وبأشكالهم الفنية، يقدمون خدمة للبشرية وللإنسان في أية أرض حل، ومهما كانت هويته وخصوصيته ومحليته، فهو شريك لأبناء جنسه في همومهم وفي رسم مستقبلهم وتطلعاتهم نحو الحرية، تلك الكلمة الحلوة التي طالما داعبت أحاسيس ومخيلة شعراء العالم عبر العصور.

شكراً لأصحاب الفكرة، ولمنظمي هذا اللقاء الشعري، ولكل من شارك فيه، ولمن شجع على إقامته، ولمن حضر من مثقفين ونقاد ومحبي الشعر، فن الإنسانية الأول.

العدد 1104 - 24/4/2024