فضاءات ضيقة.. الموهبة والإبداع

د.عاطف البطرس:

لا شك أن الفنون والآداب والثقافة بشكل عام تحتاج إلى موهبة، فإذا انتفت هذه الموهبة انعدم الإبداع.

ولكن هل يكفي الاعتماد على الموهبة وحدها في الإنتاج الإبداعي أياً كان حجمها وعمقها وغناها؟

يجمع كبار المبدعين في مجالات إبداعية مختلفة على أهمية الجهد والمثابرة والاطلاع في تعميق وتأصيل الموهبة التي أصلاً لا يمكن أن تنمو وتزدهر إلا إذا سقيت بتلك المكونات، وعلى صاحبها أن يتكفلها بالرعاية اللازمة لنموها.

صحيح أن الإنسان يمتلك مورثات واستعدادات تنتقل إليه، هي بحاجة ماسة إلى عناية لتفتحها، وهي أصلاً ليست نتاجاً شخصياً أيضاً لا فضل فيها لحاملها فهي منقولة إليه بالتوارث، لكنها، إن لم يرعها ويغذيها، تراجعت واضمحلت.

في تاريخ الثقافة العربية ثمة اعتقاد بالنسبة للشعراء كونه الفن الأبرز لدى العرب بأن هناك من يلهمهم الشعر، موجود في وادي عبقر ولكل شاعر منهم ملهم، أما غيرهم من الشعوب فتعتقد بوجود قوى ما فوق أرضية هي مصدر وحي وإلهام للمبدعين، ففي اليونان القديمة تجسدت هذه القوى في آلهة متعددة تتصارع وتتخاصم، تحب وتكره، توحي إلى الشعراء بما ينتجونه.

الحقيقة أن التجربة والثقافة والجهد هي من توحي وهي من تفجر وهي التي تطور الموهبة وتصقلها وتغنيها لأنها نتاج أرضي صرف.

يقول إنشتاين: الموهبة هي مزيد من الجهد. بينما يذهب الناقد البلغاري إفريم كارنفيلوف: إذا أضفنا الجهد إلى الموهبة تعاظمت وكبرت وفق المنظومة الحسابية التالية:

الموهبة (1) فإذا أضفنا صفر جهد على يمين الواحد أصبحت الموهبة (10) وهكذا كلما أضفنا صفراً كبرت الموهبة، ولكن إذا حذفنا الواحد تصبح النتيجة (0).

يتغير منسوب الموهبة والحاجة إليها حسب النوع الأدبي الذي ينتجه المبدع، فالحاجة إليها في الشعر مثلاً أكثر من الحاجة إليها في الرواية، وحاجة الرواية إلى الجهد أكثر من احتياجها إلى الموهبة، ولكن بغض النظر عن ذلك، فإنه من دون الموهبة تتعطل آلية الإبداع.

المعرفة والثقافة والتأمل والصدق عناصر لا بد منها للإبداع، وإذا ما تضافرت وتفاعلت وانصهرت في فرن التجربتين الحياتية والفنية من الصعب أن نطالع إبداعاً له قيمة فنية يشكل إضافة جمالية ومعرفية تحقق للقارئ المتعة والفائدة.

الإبداع لا يحلّق إلا بجناحيه: الموهبة، والجهد.

العدد 1104 - 24/4/2024