الفن.. لغة الحياة ونبضها

إيمان أحمد ونوس: 

منذ ظهر الإنسان على وجه الأرض، تعامل مع الطبيعة وحضوره فيها تعاملاً يتصل بشكل أو بآخر بأحد أنواع الفنون المعروفة اليوم. ففي البداية اعتمد الرموز والإشارات والإيماءات كلغة تفاهم وتواصل مع من يُشاركونه الحياة، وهذا ما ينطبق على أحد أنواع فنون المسرح والتمثيل الإيمائي. ثم اعتمد الرسم على جدران الكهوف والمغاور للتعبير عمّا يريد أو يحتاج أو يتفاعل بداخله تماماً كما فعل فنانو العصور اللاحقة، ولا يفوتنا وجود بعض الرُّقُم الموسيقية والأبجدية التي كانت شكلاً بدائياً- ليس بمعنى التخلّف وإنما البداية- للفن، وكذا كان الرقص والتراتيل في المعابد شكلاً من أشكال الفنون حتى ولو اتخذت طقساً دينياً، فهو يُشابه إلى حدٍّ كبير تلك الطقوس التي تُمارس في الكنائس ودور العبادة والمناسبات الدينية اليوم، وهذا ما ينطبق على باقي أنواع الفنون الأخرى التي مارسها الإنسان البدائي.

إذاً، يُعتبر الفن الإنساني قديماً قدم الحياة في الكون، وبالتالي هو البداية المعبّرة وبحرية مُطلقة عن هواجس وإرادة إنسان ذلك الزمان وحتى يومنا هذا. لكن الفنون في بداياتها الأولى كانت ربما أكثر عفوية، وأعمق حرية لمّا أراده الإنسان الأول، بينما اتخذت في الحضارات اللاحقة شكلاً أكثر تنظيماً وربما تقييداً بالنظم والقوانين التي سادت تلك الحضارات، وبالتالي فقدت بعض حريتها التي تميّزها عن غيرها من الأنشطة البشرية الأخرى. وهذا باعتقادي يُفقدها بعض عفويتها وإنسانيتها النقية باعتبارها التعبير الحر والحقيقي عمّا يعتمل في الوجدان والفكر الإنساني بعيداً عن أية حدود وإملاءات سوى الإنسانية الخالصة.

إن مختلف أنواع الفنون لا يمكن أن تكون إنسانية خالصة، إن هي خضعت لشروط وقوانين وإيديولوجيات توجهها. لكن الذي حصل عبر التاريخ البشري أن غالبية الفنون سارت باتجاه الالتزام الفكري أو الإيديولوجي الذي يخدم منحىً ما، ويكون صوته ورؤاه في المحافل السياسية أو الدينية أو غير ذلك، وهذا ما سُمّي بالفن المُلتزم مثلما الأدب المُلتزم الذي يكون في خدمة قضية ما ربما تكون أكثر إنسانية وعدالة وحقاً، لكنها دخلت إطاراً مُحدداً لا يمكن أن تخدم غيره، وهذا ما يتركها في نطاق ضيّق محدود الصدى والتأثير.

ولعلّ الفن الإنساني الخالص هو الذي يخدم قضايا الإنسانية بعيداً عن أية إيديولوجيات وأفكار أو مواقف سياسية أو سواها، فهو مهما كان راقياً في رؤاه وتعاطيه مع الإنسان سيبقى غالباً مُقيّداً عن معاناة البسطاء والمهمّشين في زمن التحزبات والحروب واغتيال إنسانية الإنسان، مثلما اغتيال فطرته التي تنزع للخير والحق والجمال والعدالة.

العدد 1104 - 24/4/2024