جيل صاعد أم جيل هابط؟

سامر منصور:

المبادئ، القيم، الأخلاق… إن زعم أحدهم أن هناك قبولاً فطرياً لهذه المسائل لدى البشر، فلا يستطيع أن يزعم أن هناك تبايناً في هذا القبول، إذ تُشير كتب علم النفس والتجارب السوسيولوجية عبر التاريخ إلى أن التربية الأسرية والعادات والتقاليد والأعراف السائدة في مجتمع ما، هي التي تؤثر على ميول معظم أفراد المجتمع سواء في ممارسة العنف والرذائل أو في ممارسة الفضائل. وتختلف هذه المفاهيم بنسبة ما من مجتمع إلى آخر. ومن هنا نستطيع القول إن تربية الأطفال هي منبت النذر اليسير من الأسس الأخلاقية في التعاملات الاجتماعية مستقبلاً. ويمتاز الطفل بأنه حالة متطفلة بشكل طبيعي، لا بل وغير مستنكر فهو يطلب فيُعطى. ولكن هذا غير مقبول عندما يكبر، فلدى الأطفال أيضا ميول نرجسية، إذ لا يتردد الطفل عن الصراخ وإزعاج الجميع، بل والضرب والشتم والبصق وكسر الأشياء في بعض الأحيان إن أخذ أحدهم لعبته أو تصرف ضدَّ إرادته. وتدخل غيرة الأطفال في نطاق هذه الميول أيضاً، إذ نلاحظ أن الطفل ميّال لاستخدام العنف إن رأى أمه تُدلل طفلاً آخر، ومشاجرات وغيرة الإخوة الأطفال من أعمار متقاربة مسألة شائعة وكلنا شهدها. ومن هنا تكون التربية مسألة ضرورية جداً لتقويم النزعة الأنانية لدى الطفل الذي يستخدم كثيراً ياء المتكلم وما يفيد بالمُلكية من كلمات اللغة العربية، فكثيراً ما سمعنا طفلاً يصرخ: (هذه لعبتي/ هذا لي…الخ)!

تُعتبر الأنانية والنزعة النرجسية سمات سلبية في مراحل العمر اللاحقة، وتنعكس سلباً على التعاملات الاجتماعية، وبما أن إخراج الإنسان من مرحلة تكريس شخصيته وذاته وحضوره في محيط يحتفي به على الدوام وهو الأسرة إلى محيط المجتمع حيث تسود مفاهيم التعاون والتشارك ومبادئ أعظم من حب الذات كالتضحية في سبيل الوطن على سبيل المثال.. كل هذا يقع بداية على عاتق الأسرة والمدرسة. وفي حالة كالتي تعيشها سورية حيث الأُسَر المفكّكة بسبب القتل والتهجير والخطف والاعتقال وهجرة أحد الأبوين…الخ، إضافة إلى خروج عدد كبير من المدارس عن المناهج القويمة للدولة، فقد ابتدع المسلحون مناهج تخدم منظومتهم الإيديولوجية في المناطق التي سيطروا عليها، إضافة إلى تعطّل كم هائل من المدارس بسبب ظروف الحرب والدمار وتعفيش ما نجا منها، إضافة إلى تذرّع عدد من مسؤولي الأجهزة المختصة الفاسدين بالانشغال بالحرب ومنعكساتها وإتاحتهم المجال لرأسماليين فاسدين لضخ المخدرات بأنواعها داخل المجتمع السوري، وكذلك اتّباع الدولة مبدأ الكم وليس النوع في منح السلاح وبطاقات تمنح حامليها شيئاً من الحصانة دون اتباع معايير دقيقة وصارمة.. كل ما سبق يجعلنا أمام واقع مُرّ يحتاج حزماً في التربية وحزماً في تطبيق القانون وتفعيل الرقابة، وإذا ما استمر فُقِدَ الطابع الاشتراكي الذي كان يسود سورية بشكل أبلغ في مراحل سابقة، وجميعنا لاحظ زيادة في تداول المقولات الشعبية التي تُعبّر عن ذروة الانحطاط الأخلاقي والأنانية مثل (بجيبك قرش بتسوى قرش، ألف عين تبكي ولا عين أمي تبكي عليي، حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس، الايد يلي ما بتقدر تقطعها بوسها، وكلب يعوي معك ولا كلب يعوي عليك…الخ).

ما نحتاجه اليوم هو صيانة الأسرة والشق التربوي في وزارة التربية، ويمكن الاستفادة من تجارب اليابانيين الذين يربّون الأطفال في سنوات الدراسة الأولى ويعلمونهم أسس التعايش الاجتماعي والتعاون والاحترام أكثر ممّا يعلمونهم أسس العلوم المجردة.

العدد 1104 - 24/4/2024