لا تستنكروا من قصور العاج

غزل حسين المصطفى:

كلُّ الأغصان تعصف بها الفصول، تُغيّر معالمها، ألوانها إلاّ ذلك الغصن الأخضر الذي حملته حمامة مرابطة على أسوار قضية القدس بقي أخضر منذ صغري وحتى الآن.  لا أدري أيّ تعويذة جعلت ذلك الغصن يحافظ على ذاته، ومدّت تلك الحمامة المسكينة بصبرٍ تطاول لسنوات وسنوات.. والظاهر من قضيتنا أن صبرها أو وقفتها ستطول أكثر

-ماهي المعطيات التي تجعلني أُبصر القضية في مكانها تراوح؟

لطالما كان المشهد ضمن الإطار ذاته لم يتغيّر إلاّ من أبيض وأسود إلى ملون.. من خبرٍ على موجات إذاعة دمشق إلى بثٍ مباشر على صفحات التواصل الاجتماعي..

(شهيد عدوان.. مقاومة.. إطارات محروقة وكيان غاشم)، حتى أن المفردات ذاتها لم يتغيّر سياق الخبر.. صدقاً فيما مضى كُنّا ننتظر نشرة الأخبار، يعمُّ الصمت، وحده صوت المذيع يرنُّ في أرجاء المنزل وربما في الحي، فلم تكن خيارات القنوات الفضائية مُتاحة لهذا الحدّ.. وحدها قنواتنا المحلية مصدرنا الموثوق.. الآن قد نُفضّل برنامجاً غنائياً على نشرة الأخبار، وإن تكرّمنا نفتح القناة وعند أخبار فلسطين نغضُّ الطرف، فالخبر محفوظ عن ظهر قلب!

إن المشاعر قد تتأجّج، أو تتحرّك الضمائر عند بعض التفاصيل، لكن أين نحن من تحرّكات الواقع إذا كانت الحكومات والهيئات المعنية تتأطّر ضمن نطاق الاستنكار والتضامن، ما بيد المواطن العربي حيلة إلاّ أن يتضامن..

التضامن!

-مر بي مؤخراً تاريخ 29 تشرين الثاني وقيل لي إنه اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فكّرت وماذا يفعل يوم من أصل 365؟!

ماذا يفعل شهر لتاريخٍ نضالي طويل واستعمار يجثو منذ زمن؟

ماذا يعنى لأسرة شهيد وقلب أمه؟

ربما لا يُحرك ساكناً، لكن على الأقلّ لا تضمحلُّ فكرة النضال، لا نطوي صفحة القضية ونُسلّم للواقع، تبقى أطياف الشهداء تُلاحقنا، قد يكون الدعم النفسي جزء مهم من العلاج لبعض الأمراض، وكذلك التضامن مع هذا الشعب قد يكون جزءاً من خيوط الأمل التي تشدّ أوزارهم للغد.

-لا تأكيد في جُملي، بل أقول قد وأفرض معطيات وأتصور الحالة!

-يوماً ما عندما نهشتنا الحرب وفتكت بشعبي، كنت أموت عند سماع كلمة تضامن واستنكار، أصرخُ: تعالوا صدّوا الرصاص والقذائف عنّا لا تستنكروا من قصور العاج!

هل سيوقف الاستنكار والتضامن هدم منزل واعتقال فلسطيني؟ هل سيُعيد اسم فلسطين للخريطة عوضاً عن اسم إسرائيل في بعص خرائط الغزاة؟

هل… هل… والحديث يطول!

العدد 1105 - 01/5/2024