المحلل السياسي (المَوتور)

صفوان داؤد: 

رغم أني لا أمتلك خلفية أكاديمية (أعتدّ بها) خاصة بظاهرة المَوتُور والموتورية، لكني سأحاول التجرؤ والمساهمة بمقاربة (نظرية أولية) حول هذه الظاهرة، متبعاً أصول التعميم من نماذج عديدة لاحظتها مراراً على التلفزيونات العربية وبعض المحطات الخاصة المؤيدة تحديداً للحكومات العراقية والسورية واليمينة من جهة، والمحطات الخاصة المعارضة لها من جهة أخرى.

في الحقيقة، في إطار البنية والتركيبة (المُعلبة) للنخب العربية، والنماذج المتعددة فيها، مثل النمطي وغير النمطي، السطحي، العقلاني المعمم، المتفرد بذاته، اليساري أو اليميني، السياسي الحزبي أو المستقل فإن الأنماط والتصنيفات التي ذكرتها يمكن الكتابة عنها واحداً واحداً، ذلك أن داخلها، وفي قلب كل واحدٍ منها، يوجد نموذج نفسي آخر يخترقها، ويؤثر بصورة سلبية هدامة عليها. إنها في الحقيقة نتاج بنية عصبية نفسية لا تتعلق حصراً بالانقسام السياسي في سورية، وإنما تتجاوز ذلك إلى خصائص اجتماعية وسلوكية تتعلق به، تلعب في المحصلة العامة دوراً سيئاً جداً في عملية التحليل السياسي الصحيحة. هذا النموذج النفسي-الإعلامي هو نموذج (المَوتور).

مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011 وانقسام كل السياقات الممكنة في المجتمع السوري، ظهر هؤلاء الموتورون على شاشات التلفزيون، سواء المؤيدة أو المعارضة. وهذا طبيعي في الأزمات الاجتماعية والسياسية الحادة، بصفتها شرطاً من عدة شروط تساعد على طفو الشخصية الموتورة. وإذا قمنا بسبر داخل مجموعات النخب السورية بمختلف مشاربها الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية وغيرها، فإننا ستعثر بسهولة كبيرة على هذا النموذج النفسي المَوتُور، سنلاحظ بسهولة كم هو مُزعج بوجوده الانفعالي وتوتره العصبي! ينزّ عوارض نفسية مرضية متعبة بتأثيرها على المشاهد، مُضيّع للوقت، شكّاك واتهامي لأصحاب الآراء الأخرى، يقفز بقناعاته ووعيه كل مرة في الفراغ دون مقدمات مقنعة، وغيرها من الظواهر الأخرى التي يتميز بها.

صحيح أن الشخصية الموتورة موجودة في كل حقل من حقول الحياة، وتلعب الدور نفسه (المتعب السيّئ والسلبي)، لكنها في التحليل السياسي بين النخب وفي العمل السياسي، تَظهر بطريقة وقحة، عاكسة سماته السلبية مُضخمة، ولها قدرة أكثر على التدمير الفكري بكل ما تعنيه الكلمة، وهنا طبعاً أعني شخصية المَوتُور. ويمكن أن نوصف هذا النموذج النفسي بعدة خصائص:  

 المَوتُور محتقن ذاتياً، أهم سماته الطابع العصبي أولاً، ثم الطابع النفسي، ثم الأخلاقي. وجاهز دائماً للانفعال، وليس بالضرورة أن يكون منفعلاً دائماً، يمكن أن يتصرف ببرود، عدواني- يخلط بسرعة بين السياسي والاجتماعي، وهو جاهز دائماً لتوجيه التهم والتشكيك. لا يترك مجالاً للمصالحة، عديم المرونة العقلية وضعيف في تقبّل الرأي الآخر. رأيه وقناعاته واتهاماته وحكمه عليك أكثر أهمية من أي قضية أخرى.

في السياسة يتقدم العامل النفسي (الذات المضخمة الباناروية المرتبطة بالأخلاق العليا)، موهماً الآخر أنه صاحب الحق في الحكم والمحاسبة والاتهام. فهو يناقش موضوعاً ما، وبغض النظر عن فكرة الموضوع لا بد أن يتضمن مجموعة من الارتكاسات المُنمطة نحو الآخر كشخص، فالآخر مثلاً بالنسبة لمؤيدي النظام هو مأجور، عميل، سطحي.. الخ، وبالنسبة للمعارضين الآخر هو شبيح، طائفي، انتهازي…الخ. كما نجد الارتكاس المنمط بالموضوع، ففكرة الآخر خاطئة، سطحية، ساذجة، وغالباً ما تترافق بتقزيمه وتبعيته.

المَوتُور العقائدي بشكل خاص اليساري أو اليميني، هو الأكثر وضوحاً وخطورة. ومن البديهي القول إنه كلما فَقُرَ أحدً معرفياً، مال إلى الشخصنة وتحقير الآخر، وكلما زاد معرفةً وثقافةً أصبح قادراً على محاكاة الأجوبة بشكل أكثر استقلالية وأكثر موضوعية.

أكثر الموتورين خطورةً هم الأقل ثقافة، ثقافتهم (يومية) وسطحية، ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي والإشاعات. ولا يدقق المَوتُور في الأمور، إلا عندما يريد القصد في التهتيك بآخر، ويلحق نمط الفضائح. ويبلغ خطاب الموتور ذروة انحطاطه، عندما يتحدث عن العنصرية الذاتية لدى الآخر. يعبر عنها عادة بأن عنصرية الآخر نابعة من طبيعة معتقداته أو ثقافته.

أخيراً. هنا لن نذكر اسم أحد من هؤلاء الموتورين الذين يملؤون الشاشات المحلية، لأننا لا نودّ وليس بنيّتنا التشهير بأحد. لكن اي مشاهد يملك الحد الأدنى من الوعي والقدرة على النقد سيستطيع تمييزهم بسهولة.

العدد 1105 - 01/5/2024