منازلنا نظيفة.. وشوارعها ليست كذلك!

سامر منصور:

البيئة والإنسان علاقة استنزاف واستهتار تتجلى أكثر ما تتجلى في الدول المتخلفة الفاسدة الخاضعة لهيمنة الرأسمالية الغربية، كما هو حال الكثير من دول إفريقيا، حيث تُرتكب أكبر الفظائع بحق المنظومة البيئية. لا نستطيع المطالبة بسلوك حضاري ومتوازن إزاء الغابات والثروة البيئية دون مراعاة هرمية الحياة الطبيعية، بمعنى أننا في عالم تسعى فيه الإمبريالية العالمية إلى تشييء الإنسان. وبين مطرقة القوى الاستعمارية بأساليبها المتعددة وسندان القوى الاستبدادية المحلية، يشعر الكثير من البشر أنهم قيمة استعمالية تُعامل بدونية، وحين تضيق فرص الكسب عليه، يذبح الغابات ويفجّر الحيد المرجاني بالديناميت كي تطفو جثث الأسماك، ولا يدّخر جهداً لإبعاد الفقر والعوز ومخاوفه منهما.

وإذا انتقلنا للحديث عن البلدان العربية نجد القطط والعصافير وغيرها تفرّ من الناس حتى دون أن يبادروا بحركة عدائية، بينما تأكل هذه الكائنات من أكفِّ الناس في الدول المتقدمة ومن لا يحترم الحيوانات الأليفة والودودة لن يحترم ما دونها من أشجار وغيرها. لا نستطيع أن نطالب كائنات لا تحترم أبناء جلدتها ولا تراعي حرمة الدماء كما هو الحال في جنون الحرب التي يعيشها الوطن العربي، أن تحترم الغابات والطيور وسائر مكوّنات المنظومة البيئية. ولعلّه من الجدير بنا التساؤل، هل نحن العرب مجتمعات تعيش سيرورتها من الوعي والتقدم، أم نحن تجمعات بشرية فشلت في توليد قيادات لها تصوغ وتصون وطناً عادلاً يُشكّل بكل مكوناته القاعدة الجامعة لها، فانزلقت في انتماءات ضيّقة وأمست تعيش دوامات وسعارات في ظلّ صراع طبقي مجنح بالجهل والتخلّف؟

ولعلّنا جميعاً لاحظنا أن دور العبادة أكثر نظافة من معظم المؤسسات والمرافق العامة، رغم أن أعداد عمال التنظيف في تلك المؤسسات والمرافق أكبر بكثير. ومن الأسئلة التي تتوارد إلى الأذهان، لماذا بيوتنا من أنظف البيوت حول العالم من الداخل، بينما شوارعنا ليست كذلك؟! ولماذا، ورغم الحملات التوعوية الكبيرة التي اضطلعت بها كل من وزارتي البيئة والإعلام منذ عقد من الزمن لم نجد النتائج المأمولة!؟ المنطق يقول إن الإنسان النظيف نظيف، فما سرّ هذه المفارقة؟ وهل يُعقل أن البيروقراطية المقيتة تستفز المواطنين في سورية، أو لعلّه الابتزاز المتمثّل بالرشوة لتسيير أموره أو المحسوبيات التي تأتي على حساب دوره ووقته، ما يجعله يكره دخول المؤسسات العامة، وربما هي معاملة بعض الموظفين الذين يبدون اللؤم لكونهم تحت ضغوط نفسية لأن رواتبهم مزرية ولا تتناسب مع حجم العمل وضغوطه.

إنني مؤمن أن انتشار الأوساخ في شوارعنا ومرافقنا ومؤسساتنا العامة مردّه إلى سيكولوجيا العلاقة بين الفرد والمجتمع. ونحن اليوم نُطالب الأسرة والمجالس المحلية والهيئات التدريسية بتربية الأجيال الصاعدة على سلوك من شأنه تقنين التلوث بكافة أشكاله. أما الدولة فهي متقاعسة عن تنظيف كوادر تابعة لها من العفيشة والفاسدين ومتقاعسة عن تنظيف الحدائق الدمشقية من المظاهر المسيئة، فأنّى نعوّل عليها بمسألة القمامة العادية؟!

العدد 1104 - 24/4/2024