زفاف بالأخضر.. سيارة بالأصفر

ريم الحسين:

أثارت حفلات الزفاف الباهظة ذات التكلفة الخيالية، التي أقيمت مؤخراً في دمشق واللاذقية، سخط الشارع السوري، فمنها ما تراوحت تكلفتها بين مليون ومليونَي دولار، وآخرها منذ أيام حفل زفاف ضخم بلغت تكلفته 450 مليون ليرة سورية في محافظة اللاذقية، وما أثار استهزاء البعض تقديم رجل لزوجته سيارة بقيمة 100 مليون ليرة سورية، في مشهد استعراضي رآه البعض مثيراً للسخط والاستغراب في بلد دخلت الحرب فيه عامها الثامن، والدماء مازالت تنزف وآثار الخراب والفقر المدقع منتشرة ليس بعيداً عن تلك المناسبات الخيالية، بينما رأى قليلون أن من حق الأغنياء التمتّع بثرواتهم دون إزعاج الفقراء. واللافت انتشار حالة من الطبقية الواضحة خلفتها الحرب باتت واضحة أكثر من قبل، إذ تتوزع الثروات بأيدي قلة قليلة إما عن طريق الإرث والتجارة أي الأغنياء بالفطرة وزادتهم الحرب غنى، أو بأيدي أشخاص استفادوا من الحرب كما يطلق عليهم العموم اسم (تجار الحرب)، أو تجار الأزمات أو المستفيدين بطرق غير مشروعة (عصابات الخطف والفديات والسرقات وما إلى ذلك). ومن ذلك ما نسمعه من أخبار بيع السيارات الفارهة في بلد يمنع الاستيراد، وأخبار شراء الفيلات الفخمة وإنشاء المشاريع الضخمة، وكل ما يدور في ذهن المواطنين: (من أين لكم هذا؟).

من الجليّ أن الطبقة المتوسطة بدأت تضمحل، وهي كانت تشكل الشريحة الأكبر من الشعب السوري قبل الحرب. والنسبة الأكبر منها انتقلت إلى ما دون خط الفقر، مع العلم أنه في بلد مثل سورية يصعب تحديد معنى الطبقات بدقة، ذلك أن الطبقة المتوسطة هنا تعد في بلدان أخرى فقيرة، لكنها بالمجمل كانت تمتلك القدرة على تأمين منزل بعد عشرات السنوات، وأن يكفيك راتبك إلى نصف الشهر أو مجرد تقاضيك راتباً. أما الآن فقد أصبح المنزل لهؤلاء كالحلم، وبقيت آمالهم في أن لا تبلغ ديونهم أكثر من أجرهم الضئيل مقارنة بانخفاض القوة الشرائية وارتفاع الأسعار العام نتيجة التضخم الهائل.

ربما كان ينبغي لهؤلاء أن يعيشوا النعم (الإلهية)، بعيداً عن آلام الملايين التي أرهقتها الحرب بعيداً عن أهالي الشهداء الذين لا يتجاوز تعويض أرواح فلذات أكبادهم مليون ليرة، إن كان عسكرياً، بعيداً عن أوجاع آلاف الجرحى والمهجرين والذين سلبتهم الحرب كل ما يملكون، بعيداً عن صرح الجندي السوري هذا النصب الذي عُمّد بدماء الشهداء، أو ربما على هذا الشعب أن يتقبل تلك المظاهر دون شكوى، فلكل إنسان حرية التعبير عن فرحه وممارسة حقه في الحياة!

إن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع يعني، في الوقت نفسه، تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر. قالها كارل ماركس.

إذاً، لماذا لا نقولها بالفم الملآن: إن ما جرى ويجري يخالف مضمون دستورنا الاشتراكي، وإن آثار الرأسمالية والليبرالية في كل المناحي بدأت بالظهور؟! وإن نقمة الفقراء على الأغنياء ومحدثي النّعمة باتت مشروعة!

هل هناك جهات، على الأقل في هذا البلد (الاشتراكي) تطبق الشعارات، أم أنها مجرد شعارات أكل عليها الزمن ومجرد إبر تخدير للشعب الفقير الذي يصفق خلف جلاديه في كل مناسبة؟! فهل سيأتي اليوم الذي توزع فيه الثروات بشكل عادل دون أن يُعفى الغني من الضريبة نتيجة (الرشوة)، ويدفعها الفقير مضاعفةً.

آلاف التساؤلات والملفات الشائكة في وجهها للانفجار، هل تدري الحكومة حقّاً درجة الغليان التي وصل إليها الشارع؟

إن كانت لا تدري فالمصيبة أعظم.

المجد للشهداء!

المجد للجيش المقدس السوري العظيم!

حماة الدّيار عليكم سلام!

العدد 1104 - 24/4/2024