القطاع العام.. إلى أين؟!

تسعى أغلب دول العالم المالكة لقطاع عام إلى إعادة إصلاح ذلك القطاع حسب تغيرات البيئة الاقتصادية. فقد تغيِّر من الشكل القانوني لذلك القطاع، كأن تقوم بتحويل بعض شركاته إلى شركات مساهمة حكومية، إما أن تملك الدولة جميع أسهمها، أو أن تطرح جزءاً منها على الاكتتاب العام انطلاقاً من مبدأ (توسيع الملكية) أو أنها تدخل من خلال شركات ذلك القطاع بشراكات مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع معينة عبر عقود من التشاركية معه، أو أنها تقوم بعملية خصخصة جزئية لبعض شركاتها العامة مقابل أن يبقى لها السيطرة في مجلس إدارة الشركة الجديدة، من خلال القوة التصويتية في عملية اتخاذ القرار ضمن تلك الشركة، وبالتالي فإن هناك نوعاً من المرونة القانونية والإدارية في علاقة الحكومة مع مؤسساتها الاقتصادية، مما يضمن لها أولاً الاحتفاظ بالملكية وثانياً تحقيق عوائد اقتصادية.

أما فيما يتعلق بسورية، فقد شهد القطاع العام على مدى العقدين الماضيين محاولات من قبل الحكومات المتعاقبة عليه من أجل إحداث تغييرات ما في بنيته، إلا أن تلك التغيرات الاقتصادية التي طالت الأشكال المؤسساتية المتعددة لم تحدث فارقاً نوعياً في أداء الاقتصاد على المستوى العام، فقد بقيت الميزة الأساسية لها هي استمرار الحكومات المتتالية بالتمسك بالبنية الإدارية والاقتصادية ذاتها تقريباً، أي من دون حدوث أي عمليات تغيير جوهري في طبيعة ملكية الحكومة لتلك المؤسسات أو في طريقة تغيير أدائها الاقتصادي العام.

إن المتتبع لشكل وعدد التغيرات الاقتصادية التي طالت القطاع العام الاقتصادي، سوف يلاحظ من خلال أرقام ونسب التحول نحو البنى الاقتصادية الجديدة منذ بداية عام 2000 حتى الآن عدم وجود منهجية واضحة ورؤية متكاملة لدى الحكومات لعمليات التحول تلك. فالتباعد الزمني في التحول نحو أشكال مؤسسية مختلفة كان واضحاً، والتفاوت القطاعي كان واضحاً كذلك. لقد حدث تطوير قطاع الصحة على حساب باقي القطاعات الأخرى وخاصة قطاع الصناعة التحويلية الذي بقي خارج عمليات تغيير البنية الاقتصادية للقطاع العام من حيث عدم طرح أشكال مؤسسية جديدة تناسب تطوير ذلك القطاع الذي تعول الحكومات عليه كثيراً في خطاباتها الاقتصادية. يتم التفكير اليوم بتحويل المؤسسة العامة للصناعات النسيجية إلى شركة قابضة، إلا أن هذا الأمر يتطلب دراسة معمقة جداً ومجهولة النتائج، والأهم من ذلك كله، هو أنه لا تتوافر المعرفة الكافية حول إن كان هناك دراسات أو تقييمات علمية حول نتائج كل عملية من عمليات التحول التي حدثت أو التي ستحدث. يضاف إلى ذلك عدم معرفة إن كان هناك دراسات أو تقييمات علمية لقياس الأثر العام على الاقتصاد الكلي من عمليات التحول إلى بنى اقتصادية جديدة من حيث الأثر على الإيرادات والنفقات العامة مثلاً، أو من حيث الأثر على التشغيل، أي كمثال عام هل أدى إحداث هيئات اقتصادية جديدة إلى التحسن في الإيرادات العامة للدولة نتيجة نشاطها، أم أنها زادت من نفقات الدولة وأصبحت عبئاً مالياً جديداً؟

ليست العبرة في تغيير الاسم، أو تغيير الشكل أبداً، العبرة في تغيير الأداء وتغيير العقلية التي تدار بواسطتها المؤسسات المملوكة من الدولة، العبرة في المرونة وعدم الجمود، العبرة في أن الملكية ليست امتياز، بل ما يحقق ذلك الامتياز، أي في الإدارة.

وجل ما نخشاه أن يكون تهميش إصلاح هذا القطاع مقدمة لعملية خصخصته، وحرمان جماهير الشعب السوري من السند الذي استندت إليه في مواجهة تغول السوق الحر!

العدد 1105 - 01/5/2024