اجتماع المكتب المركزي للعمل الفكري في الحزب الشيوعي السوري الموحد

 دمشق – “النور”:

 عقد المكتب الفكري المركزي للعمل الفكري والتثقيف والتعليم والإعلام في الحزب الشيوعي السوري الموحد اجتماعاً بتاريخ 20/10/،2018 وأقر خطة عمله للمرحلة القادمة، بعد أن تداول في العديد من القضايا، وأكد ما يلي:

1- إن منهج ماركس المادي الجدلي التاريخي هو حتى الآن الأجدر معرفياً، وعلينا التعمق في دراسته وامتلاكه معرفياً واعتماده أداة لدراسة الواقع، وتبيّن متطلباته للتطوير والتغيير، ولكن ماركس ليس نبياً، ويجب أن لا يُنظر إلى استنتاجاته على أنها صحيحة بالمطلق ونهائية، فهي تحتاج دوماً للاستكمال والإغناء انطلاقاً من منهجه الانتقادي نفسه، ووفق تطورات الواقع والعلم، واعتبارها ميادين جديدة لتطوير المعرفة الإنسانية.

2- إن بلادنا ذات المكونات الثقافية والانتماءات المتعددة تميزت بإرث تاريخي غني، وكان تنوع مكوناته وتفاعلها أساساً في ترسيخ وحدتها الوطنية، لمواجهة قوى العدوان والاستعمار تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع). ولكن سنوات الأزمة الثماني المنقضية أفرزت مظاهر للتعصب الطائفي والفكر الظلامي المتخلف والمتشدد المغذي للإرهاب، مما أظهر وأكد من جديد ضرورة اعتماد مبادئ العَلمانية في تنظيم الدولة الحديثة، فقد كانت في أسباب نهوض الدول المتقدمة، فالعلمانية نتاج تطور تاريخي في المجتمع الإنساني، تعتمد مفهوم المواطنة في النظام السياسي بدلاً من مفهوم الرعية، ومبادئ الديمقراطية بدلاً من الأوتقراطية، واعتبار الشعب مصدراً للسيادة والشرعية، خلافاً لما يُدعى شرعة الحق الالهي التي تدّعيها تعسفاً أنظمة التسلط والاستبداد.

فالعلمانية تتبنى مبادئ لتنظيم المجتمع والنظام السياسي، وتقوم على أساس المواطنة التامة والعدالة والحرية والمساواة الكاملة، وقبول الآخر، ورفض التعصب والعنصرية، وبذلك توحّد المجتمع بمختلف مكوناته، وتغدو الدولة لجميع مواطنيها بصرف النظر عن جنسهم أو لونهم أو انتمائهم الديني أو السياسي أو الإثني، وتُعلي العلمانية من شأن العقل والأخلاق، وتتوافق مع المعارف العلمية، وتهتم بشؤون الإنسان الأرضية، وإعلاء شأنه، وتكريس وجوده الحر المستقل بشخصه وتفكيره، وترتقي به عن الانتماءات ما قبل الوطنية (العائلية والعشائرية والمذهبية) إلى مستوى المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، في ظل سيادة القانون، وتعتبر أن مناقب الرفعة والشرف والكرامة مرتبطة بما يقدمه الفرد لمجتمعه ووطنه ومواطنيه، وتضمن له حرية المعتقد واحترام حقه في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية دون المساس بحقوق الآخرين وحريتهم.

فالدولة المدنية دولة محايدة بالنسبة للدين، وليست نقيضاً ولا مناهضة له، بل تستهدف فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السلطات السياسية، وعن المؤسسات التعليمية، وعدم إجبار الناس على اعتناق وتبنّي معتقد أو دين معين، فالدين يعد شأناً إيمانياً شخصياً يمارسه الفرد بحريته، فالدولة لا تمارس السلطة الدينية، والمؤسسات الدينية لا تمارس السلطة السياسية، وهذا يحفظ للدين هيبته الروحية في النفس البشرية مبتعدة به عن المزايدات السياسية والصراعات الدنيوية، فالتجربة التاريخية تؤكد أن السلطات السياسية هي التي كانت دوماً تستقبل الدين لتأكيد شرعيتها ولحماية مصالح أنظمتها.

لذلك نجد أن العديد من الدول والأحزاب والمجموعات المختلفة ومن مواقف متباينة عقيدة وفكراً وثقافة في مختلف جهات الأرض، تلتزم العلمانية وتطبقها وتدعو لها.

لقد نص الدستور السوري وقانون الأحزاب على عدم السماح بإقامة تنظيمات على أساس ديني أو طائفي.

 إن أيّ تجاهل لذلك من هذا القبيل يعتبر مخالفة صريحة لكليهما، وشعبنا يتطلع إلى دولة ديمقراطية علمانية موحدة أرضاً وشعباً.

3- إن تقصير الدولة عن تطوير الاستثمار في الموارد البشرية، وخاصة في قطاعات التربية والتعليم، وما تتطلبه سواء في مجال البنى التحتية أو إعداد الكوادر التعليمية وتأمين عيش كريم لهم، أو تطوير المناهج وطرق التدريس أو البحث العلمي، والتوسع في الطاقات الاستيعابية للتعليم العالي العام، وعدم الاهتمام بتوفير فرص العمل لحملة الشهادات وخريجي الجامعات، وتركهم يواجهون جشع أصحاب القطاع الخاص الرأسمالي الذي لا يرحم، يمثل تخلياً عن أهم مهامها في التنمية البشرية وبناء الإنسان وحفظ كرامته، ويولد توتراً اجتماعياً، وإضعافاً لحصانة البلاد ومستقبلها.

إن الانفاق في مجال التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي يجب أن يعطى الأولوية في سياق العمل للنهوض التنموي وإعادة الإعمار.

ب- إن طرائق التدريس التي لا تزال متبعة في مدارسنا التي تعتمد على تلقين المعلومات ليحفظها الطلبة، ومن ثم استحضارها في الامتحان، جواباً محدداً على أسئلة انتقائية وفي زمن محدد دون نقاش أو انتقاد أو اعتراض، ثم يطولها النسيان، تؤدي إلى خريجين أعجز عن القيام بدورهم في تغيير الواقع، وأعجز عن الإبداع وبناء مستقبل متطور لمجتمعهم، بينما المطلوب هو نظام في التربية ينمّي الملكات الابتكارية والإبداعية للتعلم، وممارسة المحاكمة العقلية والفكر النقدي، ويؤكد الشخصية المستقلة، والقدرة على مواجهة المواقف غير المألوفة، بالاعتماد على قدراته العقلية ومعارفه العلمية.

ج- تتأكد الحاجة دوماً إلى معلمين يدركون صعوبات التعلّم لدى تلاميذهم ويعملون بالتعاون مع ذويهم على معالجتها بشكل سليم، دون اللجوء إلى أساليب التأنيب والازدراء والضرب التي، للأسف، لا تزال تمارَس في مدارسنا.

د- ضرورة مراجعة مناهج التربية والتعليم، وتنقيتها مما يسيء للوحدة الوطنية، أو يخالف روح العصر والحقائق العلمية.

ه- إن انتشار بعض الظواهر السلبية المؤسفة في جامعاتنا أدى إلى تراجع ترتيبها في تصنيفات الجامعات العالمية من حيث جودة العملية التعليمية، وإنتاج البحث العلمي، والخدمات التي تؤديها للمجتمع، مما يستلزم المعالجة دون إبطاء.

4- يعدّ الإعلام من أهم الميادين في توعية المواطنين وتعبئتهم في الاتجاه الفعّال للنهضة ومواجهة قوى العدوان الإرهابي والرجعي والامبريالي، مما يتطلب انتقاء مسؤوليه وكوادره وفق معايير وطنية ومعرفية ومهنية بعيدة عن الولاءات، وقادرة على إقناع الملتقي مستمعاً أو مشاهداً، والحصول على ثقته بما يقدمه هذا الإعلام من حقائق موثقة ومصداقية، وقيمة مضافة، مع الاحترام للموقف المقابل، ومن الأهمية بمكان تعدد المنابر الإعلامية الوطنية، وانفتاحها على مختلف القوى الوطنية والتقدمية، وعدم احتكارها للون الواحد، فالإعلام له رسالة يجب أن يؤديها، بالتعبير عن هموم ومشكلات الجمهور والدفاع عن الوطن والمواطن، وعليه التعاطي مع الكلمة باعتبارها رسالة أخلاقية توجه للمجتمع، وتهذب ممارسته وترتقي به نحو الأفضل.

ويرتدي نشر الثقافة الوطنية، والعمل الفكري العقلاني في المرحلة الحالية أهمية كبرى لرفع الوعي الشعبي وتحصينه في مواجهة التضليل الإعلامي الظلامي والإمبريالي والرجعي.

إن المواجهة مع قوى الردة والتخلف والتآمر تقتضي دعم وتشجيع الصحافة الوطنية والتقدمية، ومنها صحافة أحزاب الجبهة والقوى اليسارية العلمانية والديمقراطية، لتتمكن من أداء دورها التنويري في مواجهة قوى الظلام والتخلف وقوى النهب والفساد.

العدد 1104 - 24/4/2024