سورية تنبض داخل المغرب

بقلم – يسرى حجاج:

ما أطيبَ ذلك القلب السوري الذي رماه القدر والأزمات ليكون لاجئاً في بلادي!

الذي أثارَ دهشتي أن هناك بعضُ السوريين فضّلوا المغرب على حلم أوربا، مما جعلني أتقربُ إليهم أكثر وأكثر.

لا أنسى ذلك اليوم الذي رأيتُ فيه أغنى رجل سوري في المغرب، فتساءلتُ في حيرة:

كيف لهذا اللاجئ أن يحظى بكل هذه الثروة، التي حتى أبناء المغرب لم يحصلوا على ربعٍ منها؟

لكم أن تعرفوا أنه ليس حظاً وحسب!

بل إنه كفاح رجلٍ تركَ وطنه والغصة في قلبه، فربما القسوة التي نتعرض لها تكون سبباً كافياً لكي نقوى ونعارك الحياة.

عندما سمعتُ صوتَ سيارته الـ(فيراري)، سارعتُ إلى أن أطلَّ من نافذة غرفتي، فرأيته يركنها جانباً أمام منزله، أو بالأحرى قصره، ومع كل هذا الجاه والمال الذي صار فيه نتيجة الجهد الكبير الذي بذله في خمس سنوات هنا، فإنه لم ينسَ أن يحب وطنه بطريقته، فترى الفقراء من السوريين وحتى أبناء المغرب يتوافدون إليه رغبة بتلقي المساعدة منه، فيستقبلهم برحابه صدر كما هم استقبلوه سابقاً حينما التجأ إليهم.

العام الماضي كان حافلًا باللاجئين السوريين.

رأيتُ وصولهم في نشرة الأخبار الرئيسية، حزنتُ لوضعهم، فما بالك بمن تركَ وطنه قسراً وقهراً.

وعندما تسألهم: لمَ اخترتم المغرب؟ يكون الردّ كـالآتي:

لأنه بلدُ الاستقرار، والأمان!

في أحد الأحياء الشعبية في الدار البيضاء كانت هناك عائلة صغيرة، كان هدفهم الأساسي الذهاب إلى أوربا، لكن بعد مكوثهم في المغرب لفترة قرروا الاستقرار.

يقول أحمد مجيباً عن السؤال المطروح (لمَ؟):

ببساطة لأني وجدتُ في المغرب ذلك الأمان التي فقدته في بلدي، كما أنَّ أهلها طيبون جداً، فقد استقبلونا بحب ما كنا لنلقى ودّاً وحباً كهذا في بلادٍ أخرى.

الجميل هو أن المغرب أصبح بلد استقبال المهاجرين، فيما كان من قبل محطة عبور لا أكثر.

كما أن عدد اللاجئين الأن يفوق 70 بالمئة هذا فقط في السنة الواحدة!

وكما أكدت مصادر موثوقة أن سبب ازدياد المواطنين السوريين في المغرب، هو القرب والقواسم المشتركة بين البلدين والشعبين.

وكما أن الملك محمد السادس أوصى شعبه بالتعامل اللبق مع السوريين، ومد يد المساعدة لهم

أكَّد أن هذه السياسة متعت اللاجئين السوريين بالحصول على الحقوق السياسية التي هي نفسها التي يتمتع بها المغاربة.

ولنا خيرُ مثال في الشاب السوري (حسن)، الذي ما إن وصل إلى المملكة المغربية حتى شعر بالأمان.

وها هو ذا الآن بعد سنتين استقر وأسلف أنه في المغرب ذاق أماناً فقده في غيره من البلدان التي زارها من قبل لاجئاً.

ويقول رشاد، وهو شاب سوري أيضاً:

أنا من الذين اتخدوا المغرب كـبلدٍ للعبور إلى الأراضي الأوربية، فكانت فرحتي الكبرى عندما وصلتُ إلى ألمانيا.

وبعد فترة تلاشت كل أحلامي لأني وجدتُ صعوبة في التأقلم، كما أن اللغة صعبة للغاية مما جعلني لا أجد فرصة للعمل.

وقد كنت في المغرب نستقبل الأعياد الدينية بفرح، وفرص العمل وفيرة، ليتني لم أترك بلدي الثاني المغرب!

أما عن أراءِ المغاربة في اللاجئين فهي كثيرة، تبدأُ أولاً بأكلاتهم الشهية، لأن المغاربة يحبون الأكل، فإذا أحبوا أكلك فهذا يعني أنهم أحبوكَ أيضاً.

كما أنهم اعتادوا على السوريين كما لو أنهم منهم، لا توجد حساسيات فيما بينهم.

يحبونهم لأنهم شعب طيب وخلوق وطموح جداً.

كما تقول الخالة سارة: أصبحت لدي صديقات في المغرب بل هنّ كَـأخواتي، ساعدوني كثيراً

وكانوا يجهزون كل شيء من أجل زفاف أولادي.

كان أحمد يعمل في مطعم بسيط، أما الآن وبعد عدة أعوام لديه مطعمه الخاص والمشهور.

 لا أنكر ان وضعنا في المغرب مادياً ضعيف نوعاً ما، فنحن نعاني من البطالة والفقر، لكن ومع ذلك فقد استضفنا السوريين واقتسمنا العيش بمرّه وحلوه معاً، ولكن فيما بعد فقد أصبح لهم دور أساسي بانخفاض نسبه البطالة، بعدما صارت لهم مشاريعهم الضخمة والعمال عندهم من الشعبين السوري والمغربي.

 

ستجد في أغلب مدن المغرب العديد من السوريين، تعلمنا منهم أشياء كثيرة، كالابتسامة في الشدة والرخاء، وحسن المعاملة والجوار.

حتماً إن طلبت يد العون من سوري فلن يتردد لبرهة في مساعدتك.

طيبة قلوبهم لا تقدر بكنوز الدنيا.

كانت هذه سورية تنبض بحب في قلبِ المغرب.

وما بقي لي أن أقول سوى:

فلتنبض قلوبهم قريباً في بلدهم بالأمن والأمان، ولتحيا بلدهم كما كانت وكما تستحق أن تكون!

العدد 1104 - 24/4/2024