بيوت مدمرة تنتظر الترميم

ولاء العنيد: 

حلم طال انتظاره وعندما بدأ يتحقق لاحت معالم صعوبة الوصول إليه.. هموم ومشاكل وضغوط مالية حالت دون تحقيقه بسهولة، أعباء مادية لا تترك للمواطن السوري مجالاً لأن يتحرر منها، والأمل بعودة الناس إلى بيوتهم وحاراتهم وبلداتهم يقف بوجهه الوضعُ الاقتصادي الخانق الذي بدأ يتحول بالنسبة للسوريين إلى حبل مشنقة يزداد إحكاماً مع الوقت.

واليوم، مع عودة أغلب المدن والارياف إلى رقعة المناطق الآمنة، عادت معها أحلام المواطنين بالرجوع إلى منازلهم التي هجروها لسنوات طويلة. منهم من كان تصله أخبار عن حال داره المهجورة، وجلّهم غابت أخبار بيوتهم عن مسامعهم طيلة هذه السنوات، وحالما فُتحت الطرقات وسُمح للناس بالدخول إلى المناطق التي هُجِّروا منها، زحف الجميع إلى تلك المناطق للإطمئنان على بيوتهم ومحلاتهم التي تركوها خلفهم، فمنهم من وجد بيته في حال جيدة لم تطله سوى أيدي السارقين، ومنهم من عاث الفساد في أنحائه فلم يبق فيه جدار سليم إلا وحُفر فيه فجوة وربما فجوات، أو خُطَّت عليه عبارات مسيئة، ومن الناس من وجد منزله شبه مهدّم. وكم كان كبيراً حزن الذي لم يجد منزله أصلاً. فعاد كل منهم إلى مكان إقامته الحالية محملاً بالهموم ومكبّلاً بالأوجاع، وتفكيره ينحصر في كيفية توفير المال لترميم منزله المدمر، وهو، أصلاً، يعاني الأمرّين لتوفير لقمة عيشه وإيجار منزله… فكيف سيكون حاله إذا حاول تأمين تكاليف ترميم منزله؟! فمستلزمات البناء أصبحت باهظة الثمن، وكل الأسعار تضاعفت عشرات المرات، فأحد المواطنين قال إنه بحاجة إلى ما بين ٥٠٠ ألف ومليون ليرة ليعيد ترميم منزله وبناء جدرانه المدمرة، ثمن أحجار البناء والسيراميك والبلاط وحتى طلاء الجدران والأبواب كلها في ارتفاع كبير. فالبلاط الذي كان سعر المتر ١٠٠٠ ليرة، تجاوز اليوم عشرة آلاف، والسيراميك الذي كان بسعر ٣٥٠ أصبح بأربعة آلاف! قال إنه سيعمل على إحضار بلاط من النخب الثاني فهو أرخص، وسيكون تحمّل تكاليفه أسهل، وسيحضر سيراميك من النخب الثالث فهو يكفي في الوضع الراهن ليصبح بمقدوره العيش فيه، فلا يهم اليوم جودة الإكساء وفخامته فيكفي أنها تقوم بالغرض.

وبين تكاليف مواد البناء والاكساء وتكاليف إيجار العمال سيترتب على المواطن السوري مبالغ كبيرة، فحتى عمال البناء وجدوا في عودة الناس إلى بيوتهم وترميمهم لها فرصة لتنشيط أعمالهم، وظهر منهم من يستغل حاجة الناس إلى مهنته وهو يطلب مبلغاً مالياً كبيراً لقاء عمله، وتتراوح المبالغ المالية المطلوبة بين ١٣٠٠ و١٧٠٠ ليرة للمتر الواحد.

وبذلك يقع على كاهل المواطنين السوريين الذين يحاولون العودة إلى منازلهم عبء تأمين نفقات مستلزماتهم اليومية ومستحقات الإيجار الشهرية، وفوق ذلك كله بات عليهم اليوم توفير المال لإعادة ترميم منازلهم والتحضير للعودة إليها، والنجاة من همّ إيجار البيوت الذي يرتّب عليهم ديوناً، بعد أن استنزف كل ما في جيوبهم.

 وريثما يأتي اليوم الذي يصبح المواطن فيه قادراً على تأمين كل هذه التكاليف، يقع على الحكومة السورية تسهيل عودة المواطنين إلى بيوتهم، وأن تتحمل معهم جزءاً من هذه التكاليف، بتسهيل معاملة منح التعويض المادي الذي ينتظره كثيرون لترميم منازلهم بشكل أسرع وأفضل، ومراقبة تجار الأزمة الذين سيزداد طمعهم ويحاولون استغلال حاجة الناس إلى مواد البناء ومستلزمات الإكساء، لهذا سيكون دور الحكومة كبيراً في منعهم من رفع أسعارها كما تهوى نفوسهم، وذلك حرصاً على المواطن السوري الذي لم يعد يتحمل ضغوطاً أكثر. وكلنا أمل أن تضع الدولة نصب أعينها عودة الناس إلى منازلهم هدفاً رئيساً في سبيل عودة الحياة السورية إلى طبيعتها.

العدد 1104 - 24/4/2024