إصلاح إداري.. أم سياسي وتشريعي؟!

كثيرون أولئك الذين يطرحون أسئلة عن عمل وزارة التنمية الإدارية، وماذا حققت منذ إطلاق مشروع الإصلاح الإداري.. ويبدو أنه لا توجد،حتى الآن، أجوبة عن هذه الأسئلة.

لم يستطع المواطن السوري أن يلاحظ أو يتلمس أي عمل يذكر لهذه الوزارة.. فما هو سبب عدم تمكن هذه الوزارة والإدارة بصورة عامة من النجاح والتقدم، على الرغم من أن معظم مشاكل القطاعات الحكومية تتمركز في ضعف الإدارة؟

ربما يعود أحد الأسباب الهامة إلى أن كل حكومة كانت ترث سلبيات الحكومة السابقة، وتغرق في الفساد أكثر، فتسوء الإدارة، ويضاف إلى ذلك عدم توفر البيئة الثقافية والتشريعية والاقتصادية والسياسية التي تمكّن من الإقلاع بتنفيذ برامج الإصلاح الإداري.

لا شك أن أبرز خطوات الإصلاح والإدارة الناجمة تتمثل في الحفاظ على كرامة المواطنين، فكيف للإصلاح أن يتحقق في ظل الأجور الزهيدة التي يشعر المواطنون من خلالها أن لا كرامة لهم؟ فعلى الرغم من رغبة كل مواطن سوري بخدمة وطنه، إلا أن هذه الخدمة، إذا لم تقترن بقيمة مضافة تحقق للمواطن السوري عيشاً كريماً، فإن الحديث عن الإصلاح هو حديث عبثي.

إن سورية تحتاج بكل تأكيد إلى تغيير جذري، متبوعاً باعتماد سياسات محفزة تشجع على الإبداع والابتكار والإنتاج وتحسين مستوى الكفاءة والمردود، مقرونة بنظام موضوعي وفعّال.

وعلى الرغم من أن الحكومات المتعاقبة لم تتوقف يوماً عن إظهار رغبتها في الإصلاح الإداري، إلا أنها كانت تتناسى أن هذا النوع من الإصلاح يحتاج، أولاً وحكماً، إلى إصلاح سياسي وتشريعي يشمل بيئة العمل بشكل كامل. هناك اختلال في التشريع، خاصة في ظل وجود تشريع للبطة البيضاء وتشريع آخر للبطة السوداء. هناك مسؤولون (أولاد ست) وآخرون (أولاد جارية)، وما يُسمح لأولاد الست غير مسموح لأولاد الجارية، والبعض صدّق نفسه أنه فوق القانون، ويؤكد كثيرون أن ضعف الكوادر هي إحدى نقاط ضعف الإصلاح الإداري، لكن كثيرين يطرحون أيضاً أسئلة عن سبب إبداع الكادر السوري في الخارج، مقابل عدم قدرته على العمل ضمن البيئة الحكومية.

لدينا عدد كبير من الكوادر المدربة والمؤهلة، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في أنها كوادر مهمشة، لأنها نزيهة ولا تقبل الرشا مقابل أعمالها. إن المحسوبيات والواسطة هي التي تشكل التوافق في معظم بيئات العمل، وبذلك يجري التوافق بناء على المصالح الخاصة بدلاً من التوافق بناء على الإدارة المثمرة، خاصة بعدما انتشر سرطان الفساد في الجسم الحكومي.

إن المشكلة الأساسية هي أنه لا يؤخذ بمعايير الإدارة، وتدار الأعمال بما لا يحقق معادلات صحيحة. إن الإدارة في سورية لا تحقق معادلتها، لأنها تحتاج إلى إعادة هيكلة للوزارات كافة، وهو ما يعني ضرورة العودة إلى نظام كل وزارة كي تحدَّد متطلباتها، وعند العمل بهذه الأفكار يمكن أن يوفَّر كثير من المليارات، تضيع بسبب فساد إداري.

إن الحديث عن الإصلاح الإداري دار ويدور منذ ما يزيد عن 20 عاماً، بالتوازي مع مكافحة الفساد، ولكن ما هي الحصيلة؟

لا شيء تقريباً!

إن الإدارة هي مستقبل، إلا أنها مستقبل لا يملك أسساً في الحاضر. ومن المحزن أنه عند السؤال عن مستقبل الإدارة، يجيب كثيرون: مستقبل الإدارة ليس قريباً، توجد اجتهادات فردية، ولكن الإدارة تحتاج إلى قيادات إدارية فاعلة.

العدد 1105 - 01/5/2024