المشافي العامة ما لها.. وما عليها

ولاء العنيد: 

معضلة كبيرة..كيف يمكننا الحكم على أداء المشافي العامة؟ وهل يجوز انتقاد مؤسسات طبية قدمت الكثير من الخدمات في أقسى الظروف وأصعب الاوقات، رغم إمكانياتها المحدودة؟ نحن لا نذمّ، لأننا نتذكر دائماً الجهود الجبارة التي بُذلت في هذه السنوات، بل نحاول إيضاح مكامن النقص، لثقتنا بأنها ستتمكن من العطاء أكثر إن توفرت لها الإمكانيات والكوادر والتجهيزات الضرورية. ولكن هل علينا الاكتفاء بالثناء والتغاضي عن شكاوى الناس المستمرة التي تطالب برفع سويتها أكثر، وهي المكان الوحيد الذي بات بمقدورهم الاتجاه إليه عند ضعفهم وقلة حيلتهم؟ فكم هو مؤلم إحساس الناس بالعجز أمام المرض والأصعب منه شعورهم بأنهم أمام أمرين أحلاهما مرّ: المشافي العامة والضغط الكبير عليها، أم المشافي الخاصة والمبالغ الضخمة التي يطالبون بها.

بعد سنوات الحرب القاسية وازدياد نسبة الفقر وغلاء المعيشة، أصبحت المشافي العامة هي الوجهة الأولى والأخيرة للمواطنين.

 

كفاح بكفاءة

لطالما كانت المشافي العامة مقصد المواطنين من الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، وكانوا على الدوام يقصدونها للاستفادة من خدماتها شبه المجانية، ولكن مع انتشار المشافي الخاصة أكثر وأكثر واستقطاب النخب من الأطباء والممرضين إليها، بقيت المشافي العامة في حالة من الثبات، وفقدت ثقة الفئات التي لا تستطيع تحمّل تكلفة المشافي الخاصة نهائياً. واليوم ومع توسع شريحة المواطنين الذين ازدادت اوضاعهم المادية سوءاً ومن ثَمّ زاد الضغط على المشافي العامة، ويوماً بعد يوم ومع ازدياد صعوبة الأوضاع المعيشية أصبحت المقصد الوحيد لأغلب فئات المجتمع، وقد أثبت قطاع الصحة السورية إمكانية صموده وعمله بإمكانيات ضئيلة وتجهيزات طبية قديمة، وكل من يدخل إلى أحد المشافي العامة يظن، من كثرة الضغط فيها وأعداد المرضى والمراجعين الهائلة، أنه لا يوجد خارج هذه المشافي أحد يتمتع بصحته سليم معافى، فما كابدته هذه المشافي في سنوات الحرب كثير جداً، و ما خاضه الأطباء العاملون، وإلى جانبهم الكوادر الطبية المساعدة، من تجارب قاسية وظروف قاهرة وحالات مرضية مستعصية جعلتهم من أمهر الأطباء وأكثرهم خبرة، مما منحهم إمكانية استعادة ثقة الناس بهم وبقدرتهم على علاجهم بكفاءة.

 

على من تقع المسؤولية؟

لقد توسعت شريحة المستفيدين من خدمات القطاع الصحي الحكومي، ورغم أن الجهود المقدمة في المشافي العامة كبيرة للغاية، إلا أن كثرة المراجعين جعلتها تقع في عدة مشاكل لم يوجد لها حل بعد، وجعلت المواطنين فريسة للإهمال كما الفقر. إهمال بسبب نقص الكوادر الطبية التي لا تغطي أعداد المواطنين المرضى، إلى جانب فقر في أعداد الأجهزة الطبية على مختلف أنواعها واستخداماتها، ما جعل الناس يتجرعون مرارة الانتظار عشرات الأيام، وقد يتجاوز الانتظار شهراً إلى حين أن يأتي دورهم في الاستفادة من خدمة التصوير الشعاعي أو الرنين المغناطيسي أو حتى لتخطيط عصب ما، وربما يكون حظهم عاثراً أكثر إن تعطل الجهاز الطبي عن العمل وتأجل دورهم حتى إشعار آخر، ولكن وحده الله يعلم أن حالته الطبية مستعجلة، أو ما إن كان بوسع المريض الانتظار حتى يتم اصلاح الجهاز المتوقف عن العمل، ولا تخلو شكاوى الناس من التطرق للأمر الأكثر أهمية على الإطلاق، عند الحديث عن المشافي العامة، وهو النظافة التي إن قل الاهتمام بها ستصبح المستشفى مرتعاً للأوبئة والأمراض وبيئة جيدة لانتشار الجراثيم والفيروسات فيها.

لهذا نضم طلبنا إلى طلبات المواطنين، وكلنا أمل بأن تتحقق الاستجابة لنداء الناس، بالتخفيف عن معاناتهم التي يلاقونها في المشافي العامة، وذلك  بزيادة أعداد الكوادر الطبية فيها، واستدراك النقص بالأجهزة الطبية، والاهتمام أكثر بأجهزة الحالية من حيث صيانتها بشكل دوري والحفاظ عليها، إضافة إلى العمل أكثر على رفع مستوى النظافة حرصاً على صحة المواطنين، فلم يعد لديهم مكان يقصدونه عند مرضهم سوى المشافي العامة التي أصبحت الخيار الأول والأخير أمام المواطن السوري الصابر على هموم الحرب ومآسيها.

العدد 1105 - 01/5/2024