ملايين الأخبار على الصفحات الزرقاء

ولاء العنيد

بضع سنوات كانت كافية لتغير الكثير وعلى وجه التحديد التغييرات التي حملتها ثورة ظهور منصات التواصل الاجتماعي. مليارات البشر حول العالم، ملايين الصفحات الشخصية والعامة والمجموعات بشتى المجالات التي يمكن أن تخطر على بال أحد صفحات قيمة وأخرى تافهة، وتلك المجموعة مهجورة بالمقارنة بجديدة تضج بالمنشورات الجديدة وأعداد الأعضاء المنتسبين إليها، كلها كانت كفيلة بتغيير ذائقة الناس والتعديل من خياراتهم  وتوجيه سلوكهم والتحكم بأفكارهم.

جمل من صياغة أي أحد تنشر على أنها مقولات لأشهر الشخصيات العالمية وأكثرها تأثيراً، معلومات عامة أغرب من الخيال يكتشف أنها ملفقة ومرفقة مع صور معدلة لتخدع الأنظار، أخبار منوعة اقتصادية سياسية اجتماعية اقتصادية وحتى طبية يتم التلاعب بها يومياً على صفحات (الفيسبوك)، فقد بات ينشر من خلاله ملايين الأخبار والمعلومات مجهولة المصدر التي قد تجلب للناس أشد الضرر لصعوبة التحقق من المعلومة.

فكيف هو الحال بالمعلومات الطبية التي أصبحت تستقى بشكل كبير من على صفحات الفيسبوك الكثيرة، فمنها ما يختص بالناحية الطبية بشكل كامل، ومنها ما خصص فقرة طبية يومية من مجمل منشوراتها.

فضلاً عن آلاف المجموعات التي يدَّعى أن هناك عدة أطباء يعملون على الإشراف عليها ونشر المعلومات الطبية المفيدة وللرد على استفسارات الناس الكثيرة. ليتبين أن الناس وحدهم هم من يسألون وهم من يجيبون، كلٌّ حسب معرفته وبمعلومات غالباً ما تكون خاطئة او أنها لا تعمَّم، هي وصفات وإرشادات لحالات فردية خاصة.

ومثال على ذلك المعلومات التي تدعو إلى استخدم المواد الطبيعية، فهي إن لم تؤخذ بكميات مدروسة بشدة ومحددة بدقة قد تؤثر سلباً على صحة الإنسان، كأن شرب كوب ماء مثلج قد يسبب عسر الهضم؟ وعادات شرب خاطئة تؤثر على صحتك تعرف عليها وتجنبها، أو أن سمك السلمون من أكثر الأسماك المفيدة لصحة الجسم. فحص العيون يمكن أن يتنبأ بالإصابة بمرض الزهايمر قبل ظهوره بوقت طويل، أو أن اختلال هرمونات الغدة الدرقية يؤدي إلى صعوبة التركيز وتساقط الشعر ومشاكل عديدة. أو أنه نشرت دراسة تفيد بأن ورق التوت يعمل مثل الأنسولين لمرضى السكري لأن فاكهة التوت تحتوي علي نسبة عالية من الأملاح مثل الصوديوم، الكالسيوم، الفوسفور والبوتاسيوم وغيرها من الاملاح إضافة إلي العديد من الفيتامينات…إلخ

مثل هذه المعلومات والصفحات أصبحت مرجعاً للناس، يعتبرونها صحيحة ولا يعتريهم أي شك بمدى صحتها، بل يساعدون على نشرها ومنهم من يطبقها على نفسه وينصح بها غيره دون أدنى محاولة للتأكد منها بسؤال مختص او بالبحث عبر مواقع إلكترونية موثوقة.

المشكلة الحقيقية هنا اعتبار كل ما ينشر عبر صفحات الفيسبوك صحيحاً ودقيقاً، غير أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فأغلب المعلومات مجتزأة أو منقوصة أو غير صحيحة بالكامل، لذا تكمن الخطورة في أن شريحة كبيرة من متصفحي الفيسبوك غير متعلم وغير مثقف وقد لا يعي حجم الضرر الناجم من تتبع هذه المعلومات والأخذ بها دون تحقّق، لذلك أصبحت مسؤولية على كل شخص أخذ الحيطة من المعلومات التي تنشر وتتداول، وأن لا يعتبرها حقيقة ثابتة لا تقبل النزاع، بل الأجدر بنا تنبيه عائلاتنا وأصدقائنا إلى ضرورة التأكد من أي معلومة قبل نشرها أو تطبيقها لكي لا يقعوا فريسة الجهل وضحية اتباع المعلومات العشوائية ظناً منهم أنها ستفيدهم يوما ما. وريثما يأتي هذا اليوم، الخوف ثم الخوف من أن يقعوا ضحية هذه المعلومات التي لا يوثق بها.

العدد 1105 - 01/5/2024