صلاح عدلي: قوى المعارضة قادرة على إسقاط تحالف الإسلام السياسي

للوقوف على ما يجري في مصر، كان لمجلة »النداء« لقاء مع الأمين العام للحزب الشيوعي المصري الرفيق صلاح عدلي:

 

* هل أطاح الإخوان بالعسكر؟

** في أعقاب إقالة المشير طنطاوي والفريق عنان، أصدر الحزب الشيوعي المصري بياناً أوضح فيه أن ما حدث هو عبارة عن انقلاب أبيض داخل المجلس العسكري وقيادات الجيش لصالح مؤسسة الرئاسة.

ولقد كشفت الأحداث بعد ذلك صحة استنتاجات الحزب في أن هذا الانقلاب قد تم باتفاق وترتيب بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين، وبين عدد من القيادات داخل المجلس العسكري وجهاز المخابرات وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وبمباركة واضحة ومكشوفة من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر، لحسم الصراع وتأمين انتقال السلطة لصالح تحالف حاكم جديد بقيادة الإخوان المسلمين، يحافظ على امتيازات ومصالح القوات المسلحة، ويضمن استمرار حكم الرأسمالية الكبيرة وتبعيتها للإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة، والالتزام بمعاهدات السلام مع إسرائيل وضمان أمنها.

ولا شك أن هناك عدة عوامل وأحداث ساهمت في تحديد توقيت الانقلاب والإسراع به، خاصة الجريمة الإرهابية في الاعتداء على معسكر حرس الحدود في سيناء، التي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى من أبناء القوات المسلحة، مما أدى إلى تذمّر كبير بين صفوف أبنائها وقادتها، بسبب تردي أحوال الجيش وعدم تأمين رجاله، إضافة إلى ما أعقب ذلك من اعتداء المتظاهرين على رئيس الوزراء في جنازة شهداء القوات المسلحة وتحذير ومنع مرسي من حضورها بدعوى عدم إمكانية تأمين الحماية له، الأمر الذي أعطى مبرراً لمرسي لإقالة رئيس المخابرات، قائد الحرس الجمهوري، قائد قوات الأمن المركزي، مدير الأمن في القاهرة وسيناء »وهي الأجهزة المسؤولة عن عمليات تأمين الحماية«، دون أن يجد ذلك أي اعتراض من قادة المجلس العسكري، رغم أن بعض هذه التغييرات تدخل في صميم صلاحياتهم المنصوص عليها في الإعلان الدستوري المكمل. وقد كان ذلك أحد المؤشرات الهامة التي أعطت الضوء الأخضر لمؤسسة الرئاسة في الإطاحة بقيادات المجلس العسكري وقادة الأسلحة الرئيسية، بعد تعهد مرسي بتأمين أوضاع هذه القيادات من خلال وظائف مجزية لهم على رأس هيئة قناة السويس والهيئة العربية للتصنيع ووزارة الإنتاج الحربي. فضلاً عن تكريم طنطاوي وعنان، وتقديم أرفع الأوسمة لهم، وضمان الخروج الآمن وعدم محاكمتهم عن سلسلة الجرائم الكبرى التي يتحملون المسؤولية الأساسية عنها في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء.

المظاهرات المتوالية التي خرجت تطالب بسقوط حكم العسكر بسبب مواقفهم المعادية للثورة وجرائمهم في حق الثورة والثوار، قد أضعفت كثيراً من موقف المجلس العسكري، وفضحت تردده وتخاذله وانحيازه للإخوان المسلمين في العديد من المواقف. كما أن إصرار قيادات المجلس العسكري في الاستناد إعلامياً وسياسياً على شخصيات مكروهة شعبياً وجاهلة سياسياً وليسوا فوق مستوى الشبهات، قد أدى إلى عزل المجلس العسكري وفقدانه أي تأييد جماهيري، حتى إنهم لم يجدوا بعد رحيلهم أحداً يأسف عليهم داخل الجيش أو في الحياة السياسية المصرية.. فالجميع كان يدرك أنهم المسؤولون عن هذه الأوضاع الكارثية التي تمر بها البلاد بتحالفهم وتواطئهم مع الإخوان المسلمين والمسار الخاطئ للمرحلة الانتقالية وعدم البدء بوضع الدستور، ولذلك فهم يتحملون المسؤولية الأساسية عما آلت إليه الأمور.

والنتيجة الأساسية بعد هذا الانقلاب وإصدار مرسي لإعلان دستوري يلغي فيه الإعلان الدستوري المكمل ويحتفظ لنفسه بالصلاحيات التي كانت للمجلس العسكري، وبناء على ذلك انفردت مؤسسة الرئاسة بكل السلطات  التأسيسية والتشريعية والتنفيذية، وانتهاز الإخوان لهذه الفرصة التاريخية للسيطرة والهيمنة على كل مفاصل الدولة.

ومن جانب آخر فإن هذا الوضع قد حسم الأمور أمام القوى السياسية كافة، لكي تحدد موقفها من سلطة الإخوان باعتبارها سلطة حاكمة معادية للثورة.

 

* كيف يقرأ الحزب الشيوعي الحكم »الجديد« سياسياً واقتصادياً على مستوى مشاريع القوانين؟

** لكي نقرأ الحكم الجديد، لابد أن نلقي نظرة سريعة على تاريخ الإخوان المسلمين ومواقفهم وتحالفاتهم السياسية، فهم لم يعدّوا أنفسهم يوماً فصيلاً ثورياً، بل كانوا في أحسن الأحوال يعدّون أنفسهم إصلاحيين.. وكانت كل تحالفاتهم مع القوى الرجعية والمعادية للثورة وللحركة الوطنية المصرية، فقد تحالفوا مع الملك وأحزاب الأقلية قبل ثورة تموز/ يوليو، وتحالفوا مع ثورة تموز في شهورها الأولى لضرب الديمقراطية والأحزاب، ثم اتخذوا موقفاً معادياً لها، بسبب توجهات الثورة الوطنية المناهضة للولايات المتحدة وإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المنحازة للجماهير الشعبية، كما أيّدوا انقلاب السادات وباركوا سياسات الانفتاح الاقتصادي، وتحالفوا معه لضرب الحركة الشيوعية في الجامعات المصرية. وحتى في ظل حكم مبارك كانوا يتمتعون بكل الصلاحيات حتى حدث التناقض بينهم في منتصف التسعينيات. ولم يكن هذا التناقض جذرياً، بل كانوا مستعدين لقبول التعاون معه ومع الوريث، بشرط إتاحة قدر من المشاركة لهم في السلطة حسب تصريح المرشد السابق. ومن المعروف أنهم شاركوا في الثورة متأخرين ونكصوا بعد خلع مبارك عن كل وعودهم في سبيل تحقيق هدفهم في التمكن والسيطرة على كل مؤسسات الدولة.

واليوم بعد انفرادهم بالسلطة، تتضح أكثر فأكثر حقيقة مواقفهم، فهم يسعون لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والخضوع لشروطه بإلغاء الدعم تدريجياً، والاستمرار في اتباع سياسة الخصخصة ورفع يد الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية، كما أنهم يماطلون في تنفيذ أي من المطالب العاجلة للثورة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وخاصة عدم تحديد حد أقصى وأدنى للأجور، كما يؤكد وزرائهم ضرورة الاندماج في العولمة الرأسمالية. وقد اعترف صاحب مشروع النهضة خيرت الشاطر، بأنه ليس لديهم مشروع جاهز أصلاً، بل هي مجرد أفكار ومقترحات تدور حول اقتصاد »الصدقة« وليس لديهم أي مشروع حقيقي للتنمية، أي أنهم باعوا الوهم للمواطنين وخدعوهم لتأييدهم في حملة انتخابات الرئاسة. باختصار هم يسيرون على خطا النظام السابق، مع حرصهم على فتح المجال لرجال أعمالهم ومؤسساتهم التجارية والريعية لتحتل المكانة نفسها لعصابة جمال مبارك في النظام الجديد، ولذلك هم يعملون الآن على وضع رجالهم في المؤسسات والشركات الكبرى التابعة لقطاع الأعمال العام، مثل »المقاولون العرب« وبعض المصارف وغيرها. وفي السياق نفسه أخذ د. مرسي معه في رحلة الصين كبار رجال أعمال النظام السابق ورجال الأعمال الإخوان، لتأكيد التزاوج بين رجال الأعمال وبين السلطة.

سياسياً هم يريدون الهيمنة مع التيار الإسلامي على الجمعية التأسيسية لوضع دستور العار.. هذه الجمعية غير الشرعية التي تسعى إلى الإسراع بوضع مواد تكرس الدولة الدينية وتقيد الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، خاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والفلاين والكادحين الغائبين تماماً عن التمثيل في اللجنة التأسيسية، وكذلك حقوق المرأة والأقباط. وهم يسعون إلى تشكيل تحالف مع كل قوى التيار الإسلامي لخوض الانتخابات في مواجهة القوى المدنية والتقدمية. والأخطر أنهم بدؤوا حملة لقمع الحركة الاحتجاجية التي تتصاعد في كل ربوع البلاد في سلسلة من الإضرابات والاعتصامات في كل القطاعات الحيوية، مثل إضراب مضيفي الطيران والنقل العام والسكة الحديد وعمال البترول والغزل والنسيج والمعلمين والأطباء وغيرها، وذلك من خلال سنّ قوانين تقيد حق الإضراب وتجرّم القائمين به وتتهمهم بالتخريب وإثارة الفوضى.

أما في السياسة الخارجية، فمؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان يعبران بوضوح عن استمرار التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والالتزام بمعاهدات السلام مع إسرائيل وعدم إعادة العلاقات مع إيران، وإعلانه في السعودية عن دعمه لمحور الإسلام السنّي لتنفيذ سياسة الولايات المتحدة بتغذية الصراعات الطائفية في المنطقة.

باختصار نحن نرى أن الإخوان المسلمين يتجهون إلى تدشين نظام فاشي معاد للديمقراطية ذي محتوى رجعي.

 

* ماذا عن البديل؟

** نحن نرى أن شعلة الثورة لم تنطفئ، وأن أهدافها ومطالبها الأساسية التي خرجت الملايين في سبيلها لم تتحقق، وأن الصراع الطبقي في جوانبه الثلاثة السياسي والاقتصادي والثقافي مازال مشتعلاً بين الطبقات والفئات صاحبة المصلحة في استمرار الثورة، وبين أعداء الثورة ممثلاً في الحلف الطبقي الجديد الحاكم. وفي اعتقادي أن الظروف تتطلب الآن الإعداد الجدي والدؤوب للموجة الثانية من الثورة التي تتسع فيها مجالات النضال الجماهيري ولا تقتصر فقط على الانتخابات. وفي هذا السياق جاء إعلان العديد من التحالفات الهامة والمؤثرة مثل التحالف الديمقراطي الثوري الذي يضم القوى الاشتراكية »الشيوعي المصري، والاشتراكي المصري، والتجمع، والتحالف الشعبي، والعمال والفلاحون وعدد من القوى والحركات اليسارية«، كما أسس حمدين صباحي التيار الشعبي الذي يضم حملة حمدين صباحي الانتخابية وحزب الكرامة وعدداً كبيراً من الشخصيات والرمرز الوطنية، كما تشكل حزب الدستور الذي أسسه البرادعي، كما تسعى الأحزاب والقوى الليبرالية إلى تشكيل تحالف واسع يضمها جميعاً »تحالف الأمة المصرية«.

ولقد أكد التحالف الديمقراطي الثوري »القوى الاشتراكية« على أنه تحالف استراتيجي، وليس مجرد تحالف انتخابي، وأكد في بيانه التأسيسي عدة محاور أساسية: بناء دولة مدنية ديمقراطية، والتحرر من التبعية بأشكالها كافة، والتصدي للصهيونية والهيمنة الأمريكية، ومقاومة سياسات الليبرالية الجديدة، وبناء نظام اقتصادي يقوم على التنمية الشاملة المعتمدة على الذات، وضمان المصالح الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية، وأخيراً نشر ثقافة التنوير والتسامح على أساس قيم العقلانية والتفكير العلمي والإبداع، بما ينقذنا من مخاطر التعصب الطائفي ومن النشاط المحموم لقوى التخلف والظلام التي تريد إرجاع المجتمع المصري المتحضر إلى مجاهل القرون الوسطى.

وهذا التحالف اليساري يسعى إلى التحالف مع القوى الثورية والديمقراطية والليبرالية التي تتفق مع الحد الأدنى من مطالب العدالة الاجتماعية لتشكيل تحالف مدني ديمقراطي في مواجهة تحالف الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي. ولقد أثبتت الانتخابات الرئاسية أن الإخوان المسلمين لا يملكون تأييداً شعبياً جارفاً كما يدّعون، إذ حصل الرئيس مرسي على نحو 51% من أصوات الناخبين، و25% ممن لهم حق التصويت، وبالتالي هناك فرصة حقيقية لقوى المعارضة لإسقاط تحالف قوى الإسلام السياسي إذا ما توحدت قواها ونظمت صفوفها وتعلمت الدروس من أخطاء الماضي.

العدد 1105 - 01/5/2024