من الصحافة العربية العدد 559

يساريو سورية السابقون يخوِّنون اليسار الفرنسي

 

معارضون يساريون سابقون ليبراليون حاليون، هالهم أن يخون اليسار الفرنسي قضية الحرية في سورية، الحرية ذاتها التي يدافع عنها اليسار عادة في كل زمان ومكان.

يتساءل الليبراليون السوريون واللبنانيون معهم: كيف لليسار الفرنسي أن يكون مع الحرية في بلاده وضدها في سورية؟ وهم والحق يقال يتساءلون بصدق، لأن هذا اليسار ليس من النوع الذي (يمكن اتهامه بالعنصرية ضد العرب أو المسلمين).

كيف يمكن ليسار فرنسي معروف بمواقفه ضد اضطهاد الشعوب عامة أن يؤيد (نظام الأسد) الاستبدادي؟ كيف صور لهم أن نظاماً (عماده الرئيسي العصبية الطائفية) يمكن أن يكون علمانياً؟

لم يتساءل (الثوري) السوري في فرنسا: كيف يريد من اليساري الفرنسي أن يدعمه في وقت يعلن هو وثواره ليل نهار أنهم لا يرون في إسرائيل عدواً بل هو جار يمكن التفاهم معه، وأن الأمريكي ليس إمبريالياً بل (شريكاً) صعباً، لكنه شريك؟ كيف تريد لليسار الفرنسي أن يصدق ما تقول وهو يرى على الأرض أفعالاً لا تشبه أقوالك، أفعالاً تذكر بحروب لبنان الأهلية وبالتطهير الطائفي والتفتيت والمجازر والإعدامات الميدانية، غير المدنية إطلاقاً، ورمي الموالين (ديمقراطياً) عن سطوح الأبنية والاختباء بالمدن التاريخية وتدميرها بواسطة السيارات المفخخة.

الادعاء بأن النظام مخادع في مقاومته وممانعته كان من الممكن أن يفيد لو أن برنامج الثورة يتضمن تحرير الأرض وفك التبعية في بنوده. الديماغوجية هي في أن تعيِّر خصمك بشيء تؤيده ضمناً وتدعو إليه سراً وعلناً.

( اليسار عادة، الفرنسي منه وغير الفرنسي، ليس فكرة مبسطة ضد الاستبداد وحسب، وليس فكرة رفض لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وحسب، بل إنه الاعتراض على فكرة الاستبداد العالمي ككل، وعلى استغلال بعض الأمم لكل دول الأرض ولطبيعتها ولبيئتها وإنسانها. فأين أنت من كل ذلك؟ ولماذا تتعب نفسك بعد في استجداء دعم اليساريين الفرنسيين لك ولثورتك؟ ألا يكفيك دعم الولايات المتحدة وتركيا وقبائل الخليج الحاكمة بأمر الله المشهورين بدعمهم عادة لحرية الشعوب؟ أم أنك وتأثراً بشخصيتك المنفصمة تريد دعم الجميع اليسار واليمين معاً، اليسار القديم المترقد في لاوعيك والحاضر اليميني المعلن في أهدافك وشعاراتك الحالية؟!

ليست الحرية، في سورية هي التي يرفضها اليسار الفرنسي، بسبب (ثقافويته) الإيديولوجية، بل تموضع من يقود (الثورة) السورية فعلياً في جبهة أعداء الحرية وفي جبهة أعداء اليسار العربي والعالمي. وهذا لعمري إذا لم يكن في قلب السياسة فما عساها تكون السياسة؟

بعد كل هذا هل كنت تتوقع فعلاً أن يتفهمك اليسار الفرنسي؟

روبير البشعلاني

(السفير) 24/11/2012

 

آن أوان التدخل الأمريكي في سورية

 

الحرب الأهلية في سورية ربما تكون الفصل الأخير من فصول تفكك الشرق الأوسط القديم على الوجه الذي يألفه العالم. وتكاد تضيع فرصة الحفاظ على تماسك المنطقة وإعادة بنائها على أسس مختلفة تعلي شأن التسامح والحرية وترسي الاستقرار الديمقراطي.

لا يستهان بما هو على المحك في سورية. فمع تفتتها، تستقطب السنة والشيعة والأكراد شبكة من الولاءات الطائفية. وفي الماضي، دعا كارل ماركس عمال العالم إلى الاتحاد وتجاوز الحدود الوطنية والانعتاق من (الوعي الكاذب) لهوياتها، ونبههم إلى أن ما يجمعهم يفوق ما يشدهم إلى الطبقات الحاكمة التي تقمعهم باسم القومية والوطنية. واليوم، تؤدي إيران دور ماركس. فهي تسعى إلى بسط نفوذها على الشيعة وجمعهم تحت عباءة ثيوقراطية طهران، وترمي إلى تفكيك وحدة البحرين والعراق ولبنان… وفي الأيام الأخيرة، بادرت فرنسا وبريطانيا وتركيا إلى ردم هوة الفراغ الديبلوماسي والاعتراف بائتلاف المعارضة الجديد الذي يمثل شطراً راجحاً من السوريين. وحري بالولايات المتحدة أن تسير على خطا الدول الثلاث، وأن ترهن تسليح الجماعات المعارضة الموحدة بعتاد دفاعي بانتهاج سياسة (دمجية) لا تستأثر بالسلطة في مرحلة ما بعد الأسد. والولايات المتحدة وحلفاؤها مدعوون إلى فرض منطقة جوية عازلة لحماية الأبرياء. فالحاجة تمس إلى النفوذ الأمريكي، ويترتب استشراء النزاع الطائفي وتفاقمه على ترك إدارة النزاع إلى القوى الإقليمية التي تختلف أهدافها عن الأهداف الأمريكية.

وطوال عقود ستغرق المنطقة في دوامة عنف ومعاناة عاصفة. ومد الحرب لا يتجه إلى الانحسار في الشرق الأوسط، بل يعلو ويتجه إلى بلوغ ذروته. والانتخابات الأمريكية انتهت، وآن الأوان كي تبادر أمريكا إلى التدخل.

كوندوليزا رايس

وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة

عن (واشنطن بوست)

إعداد منال نحاس

(الحياة)، 28 /11/ 2012

 

مصر الولاَّدة!

 

ما يحدث اليوم في ميدان التحرير وكل الميادين هو تجديد للثورة في مصر من ضمن جدلية الثورة نفسها. تأتي الحشود إلى الثورة عندما يستحيل عليها أن تستمر تحت سيطرة أحد الطغاة. لكنّها تأتي حاملة أهدافاً نبيلة أو ضئيلة، كبيرة أو صغيرة، عامة أو خاصة. تتفرّق الجموع بعد اجتماع، وتتنازع كتلها بعد إجماع. ليست الغلبة دائماً للأفضل. قد تكون في كثير من الحالات للأشطر والأخبث والأرذل.

ويلاحظ فريديرك إنجلز في كتابه (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة)، بشكل عبقري أنّ (استثمار طبقة لأخرى، هو أساس الحضارة، وكل تطورها يجري في غمار تناقض دائم) (ص 183)، إلى أن تحل قضية الاستغلال والاستلاب وقبلهما العبودية والقهر.

جهد الثورة والثوار موصول إذاً بمقدار ما يتواصل جهد مضاد لتوظيف الثورة لأهداف صغيرة أو فئوية. والمراحل التاريخية لا تقاس بالأمتار أو بالأيام. إنها مراحل ممتدة لسنوات أو عقود أو قرون، في محصلات ومحطات نضج العوامل الفاعلة، ما هو موضوعي منها وما هو ذاتي، على طريق طويل تشقه الحضارة الإنسانية ويتجه صعوداً رغم النكسات ورغم سوء التقدير أو خطأ الحسابات.

ومصر بتنوعها وتسامحها، هي محط الآمال في هذه المتاهة القاتلة من التشتيت والتفتيت والتشرذم والانقسام.

ليس كمصر من يستطيع أن ينقذ الشرق العربي والأوسط الكبير من الصراعات الهامشية: الطائفية والمذهبية والإثنية. وليس كمصر من يستطيع أن يطوّر تجربة عبد الناصر في كل أبعادها التحررية والتحريرية والاجتماعية.

لم تعد هناك قوى تغيير من دون إثباتات، والسلفية ليست محصورة في تيار دون سواه. ليس التفاؤل بالحدث المصري الراهن أمراً ممكناً فقط. إنّه أمر مطلوب أساساً. وهو، حافز من أجل العمل والنشاط والمبادرة والإبداع. إنّه في مداه الطبيعي الجغرافي والسياسي والتاريخي مدعاة لإطلاق حركة جديدة على المستوى العربي جميعاً.

إنّها (حركة من نوع جديد) كما سماها يوماً القائد الشهيد فرج الله الحلو.

سعد الله مزرعاني

(الأخبار) 30 /11/ 2012

العدد 1104 - 24/4/2024