قمة فنوم بنه: رابطة آسيان ودورها بين النجاح والتباين

تحت شعار «مجتمع واحد، مصير واحد» اختتمت قمة رابطة آسيان ودول شرق آسيا أعمالها في العاصمة الكمبودية فنوم بنه، دون التوصل إلى بيان ختامي للمرة الأولى منذ تأسيسها قبل 45 عاماً. ورغم الإنجازات الواسعة التي حققها الرابطة على امتداد العقود السابقة، لاسيما الإنجاز الأخير المتمثل في بناء المجتمع الآسياني، وضرورة أن تواصل الرابطة التعاون للحفاظ على الدور الرئيسي، لاسيما في تعزيز التنسيق والتعاون مع الشركاء على جميع المستويات، فإن الخلافات الثنائية بين دول الرابطة وشركائها في دول شرق آسيا تحديداً، فضلاً عن الأوضاع الداخلية للعديد من الدول، قد خيّمت على القمة ونتائجها.

فقد تأسست رابطة آسيان في عام 1967 وتضم «بروناوي، لاوس، كمبوديا، ماليزيا، بورما «ميانمار»، إندونيسيا، سنغافورة، تايلاند، فيتنام، الفلبين»، وتضم في صفوفها دولاً ذات أنماط إنتاجية اقتصادية واجتماعية مختلفة، من النهج المركزي إلى المشترك والتعاوني، مروراً باقتصاد السوق الحر، كذلك من مستويات مختلفة في التطور ما بين دولة وأخرى. وتسعى للارتقاء بأوضاع الرابطة، وسبل التنسيق بينها، مستمدة من تجربة بدايات الاتحاد الأوربي نموذجاً لها «رغم الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الواسعة، ومستوى التطور بين المجموعتين».

وإلى جانب هذه التباينات في النهج الاقتصادي لدول آسيان العشر، فإن العديد من دولها ينخرط في الوقت نفسه في روابط وتكتلات آسيوية وقارية ودولية أيضاً.

وبرزت في الآونة الأخيرة تباينات أخرى مهمة، كالخلافات حول المناطق المتنازع عليها، لاسيما في منطقة بحر الصين الجنوبي، بين اليابان والصين «جزر باراكليس، سبارتليز»، إضافة إلى الخلافات بين بكين وهانوي حول السيادة على الأرخبيلين وجزر سبارتليز، التي تطالب الفلبين بأجزاء منها أو كلها، إضافة إلى ماليزيا وبروناوي وتايوان.

وخلافاً لواقع الاتحاد الأوربي، وحلّه الخلافات الحدودية استناداً إلى نتائج الحرب العالمية الثانية، أو عدم تعديل الحدود القائمة والإشكاليات، الراهنة والمستقبلية، فإن هذه التباينات والخلافات لاتزال قائمة في رابطة آسيان وفي علاقاتها مع جوارها، وبعض دول شرق آسيا.

وهذا ما دعا سورين بتسواني، الأمين العام للرابطة ودول شرق آسيا، إلى الإعلان عن إقامة هاتف أحمر بهدف نزع فتيل الخلافات والنزاعات البرية في منطقة بحر الصين الجنوبي، بعد أن أمضت رابطة آسيان عشرة أعوام في التفاوض مع الصين الشعبية حول «مدونة سلوك». وتكتسب هذه المناطق أهميتها الجغرافية، بسبب احتياطاتها من المحروقات والطاقة، وإشرافها على الطرق البحرية في هذه المنطقة الاستراتيجية لآسيان وشركائها.

وبسبب هذه التعقيدات، ولدت فكرة الخط الساخن، الذي حظي بالترحيب في صفوف الرابطة، وتأكيد سورين بالقول: «أعتقد أنه اقتراح براغماتي، وسيكون مفيداً للغاية، وفي حال وقوع أحداث ما سلبية ستتم دعوة الدول الأعضاء، من أجل التنسيق واستيعاب أي تجاوز محتمل، وتفادي سوء التفاهم.. وسنثير هذا الاقتراح مع أصدقائنا الصينيين.. وهو الاقتراح الذي يتناسب مع طموحات بكين في بحر الصين الجنوبي، الذي عكس نفسه في عقد القمة المشتركة لآسيان ودول شرق آسيا بحضور رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، والرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولكل من الزعيمين أهدافه من هذه المشاركة، إذ تصنف الصين الشعبية بأنها الاقتصاد الثاني عالمياً، وتمتلك شبكة علاقات آسيوية واسعة مع رابطة آسيان ودول شرق آسيا، وكذلك على الصعيد العالمي.

وهذه هي القمة الأولى التي يشارك فيها أوباما بعيد إعادة انتخابه، فضلاً عن الاحتجاجات التي شهدتها ولاتزال بعض دول المنطقة، وخاصة بورما «ميانمار»، والصراع العرقي- الإثني بين البوذيين والمسلمين، وبعد أقل من عام على تولي الرئيس البورمي مهماته، إذ حث أوباما نظيره على مواصلة الإصلاحات «منذ أن حل المجلس العسكري في آذار عام 2011. كذلك لقاؤه أونج سوتشي زعيمة المعارضة البورمية والنائبة الحالية، فضلاً عن رغبة واشنطن في توسيع التعاون العسكري الأمريكي مع أستراليا ومع تايلاند وفيتنام.

والتقى أوباما من خلال مشاركته في قمة فنوم بنه، رئيس الوزراء الكمبودي هون سون، وناقش الزعيمان مسألة حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية «أول رئيس أمريكي يزور كمبوديا» التي تطرحها الولايات المتحدة انسجاماً مع أهدافها، وتالياً حقيقة وجودها ومصالحها في المنطقة.

وفي الوقت الذي لم تغب فيه قضيتا ميانمار »بورما« وإصلاحاتها، بعد حل المجلس العسكري، كذلك طبيعة علاقات بلدان رابطة آسيان مع العديد من دول شرق آسيا ومع كوريا الديمقراطية، وآليات التطبيع والتعاون بينهما.

إذ تملك بيونغ يانغ علاقات تحالفية مبدئية مع الجارة الكبيرة الصين الشعبية، ومع العديد من دول آسيان والمنطقة، وبخاصة الأقرب إليها سياسياً واقتصادياً «فيتنام، لاوس، كمبوديا.. إلخ»، ولا خلافات جغرافية جذرية مع دول أخرى في المنطقة.

ويمكننا القول إن هذه الحالة الفريدة من التنسيق والتعاون، إلى تجنب الخلافات الجغرافية، فضلاً عن تبعات هذا التنسيق بحالته الراهنة، الذي يساهم إيجاباً، والعمل على تجنب التباينات بين دولها، يخفف من حالات الاحتقان، التي تطل برأسها بين الفينة والأخرى، مقارنة بإمكان الوصول إلى حلول لقضايا الخلافات وتفضيل دول آسيان وشرق آسيا موضوعات التعاون والتنسيق، وصولاً إلى طموح بتقوية هذه الرابطة الآسيوية.. في واحدة من أكثر الدول اتساعاً، رابطة وإمكانات، لاسيما بعد عقود من التعاون الاقتصادي الآخذ في التجذر، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الاقتصادية – الاجتماعية، ويمكن أن تساهم في نجاحات الرابطة في تعزيز التعاون القاري والتنمية لدول آسيا، وحل المشاكل المزمنة والراهنة التي أفرزتها متغيرات العولمة والأزمات المالية، وتوفير الاستقرار ونزع فتيل الصراعات المسلحة وتداعياتها الثقيلة.

العدد 1104 - 24/4/2024