من الواجهة الأخرى للصراع… لماذا يأتي أوباما؟

أشك في أنه وجدت حماقة في السياسة العالمية، منذ كانت الحرب العالمية الثانية تشبه (مشروع الاستيطان). وإن حقيقة أن القيادة العليا السياسية الإسرائيلية منذ 1967 قد شاركت فيه تجعل حبة الدواء مُرة فقط. إن قلة السكان في الضفة، قياساً بالاكتظاظ الإسرائيلي في مركز البلاد، أحدثت مصالح اضطهدت إسرائيل من أجلها من البداية كل تنظيم فلسطيني. عُد موشيه ديان (محتلاً مستنيراً) بفضل إذنه للفلسطينيين أن يعملوا في إسرائيل بأرخص الأجور، واستيراد مال من الأردن (الجسور المفتوحة). لكنه كان حاكماً قاسياً عديم الصبر باعتباره مستعمراً. ولم ينافسه في عماه التاريخي سوى أريئيل شارون.

سارع الجيش إلى تسمية المناطق بالاسم التوراتي (يهودا والسامرة وأرض غزة). ودعا سكانها (محليين)، أي أنهم بلا أي انتماء آخر ­ أمة وأرض وتاريخ. وقد جُعلوا سريعاً خطراً مع الاستحواذ على أراضيهم، وكان ذلك مساراً أُذل به شعب كامل مدة عقود، فكان مئات آلاف السجناء، وأعمال تعذيب منهجية، ومحاكمات سيركية واعتقالات وحصارات،بسبب أعيادنا، ومصادرات وتعطيش الآباء وحصارهم وإذلالهم على مرأى من أبنائهم وقتل ووعظ يتعلق بالمقاومة. وقد أنشأت إسرائيل بيديها الخطر الأمني الذي جعل اليمين يحكمها.

بعد ذلك بكثير حينما ثبت لشارون أن القطاع (غير مُجدٍ) تخلى عنه وحاصر سكانه في محبس ضخم فقير جائع. فغزة بعيدة عن المركز، وكما أن أكثر الإسرائيليين لا يعنيهم النقب، يمكن أن يذوي القطاع من وجهة نظر إسرائيل المستنيرة بين (حرب للإرهاب) وحرب أخرى تليها.

لكنه من السهل إزالة الزينة عن الاحتلال بواسطة الضفة. فهي كانت إلى 1967 تحت حكم الأردن، وكانت مضايقتها لنا أقل من مصر أو سورية. إن الانفصال عن (بيت إيل) أو هذيانات أخرى أيضاً لم يعق تطور حياتنا الروحانية. لكن إسرائيل لا تفهم سوى القوة، وكان السكان الفلسطينيون ضعفاء من جهة عسكرية. وهنا وسّع شارون منذ كانت اتفاقات كامب ديفيد، (مشروع الاستيطان).

لم يُحدثوا الشعب المُخدر عن الماء والعقارات. وحقنوه ب(أرض الآباء) و(الأمن). وحظي الأسياد المستوطنون بالترف، وعاشوا من عمل (الآباء)، وهم الآن (اليمين المتطرف) الذي يُراد من العالم وفيه الفلسطينيون أن يولينا عنايته بسببه.

مثّل الجيش (الأمن) وهو ­ أي الجيش ­ (معتدل) دائماً في الوعي الإسرائيلي، لأنه هو نحن ونحن معتدلون. بيد أن المستوطنين يحتاجون إلى جيش لزيادة السيطرة عمقاً، ويحتاج الجيش إلى المستوطنين كي يسيطر على المناطق.. وهذه هي رقصة التانغو.

إن الميل إلى اتهام الفلسطينيين ب(إضاعة المصالحة) هو جزء من الاستعلاء الاستعماري. فنحن نسجن ونُعذب ونسلب ونتوسع في أراضيهم، ونطلب أن يتخلَّوْا لنا. من أجل ماذا؟ هل من أجل الخوف من (اليمين المتطرف)؟

ويأتي أفيغدور ليبرمان الآن ويعلن أن تسوية سلمية شاملة مع الفلسطينيين غير ممكنة، ويسكت الجميع. ويعرض الفلسطينيون خاصة تسوية سلمية. وإن العقبة الكبرى التي تزداد حجماً من سنة إلى أخرى هي (المشروع) الذي يضمن ألا يتم إحراز أي حل إلى أن يغرقنا تضخمه جميعاً.

يحسن من أجل الضغط على الحكومة أن نتعلم من ليبرمان ومحاربته لعنصرية مشجعيه: فالخوف من العقوبات الدولية ينجح. وقد حان الوقت لحث المجتمع الدولي على مكافحة رفض إسرائيل التخلي عن المناطق المحتلة وسكانها الذين لا صوت لهم في ديمقراطيتنا.

إن حدود 1967 هي الهدف، ولا يُحتاج من أجل ذلك إلى القطيعة مع معهد أريئيل فقط، بل يجب أن يبدأ كل هذا من بيننا. سيعود باراك أوباما بعد خطبته في الكنيست إلى تناول طعامه في البيت الأبيض، وسنبقى لنأكل الثمر العفن عندنا، المسمد كنفتالي بينيت أو يئير لبيد. والسماد هو السماد.

 

(هآرتس)، 11/2/2013

عن (المصدر)

العدد 1107 - 22/5/2024