(باب الحارة) يفرّخ (طاحون الشر)

تكاد أعمال البيئة الشامية تتشابه في الكثير من تفاصيل حكاياتها وأمكنتها وفضاءاتها منذ بدايات الدراما السورية وحتى آخر الأعمال، لكن بعض الأعمال حاولت أن تعكس مناخات مختلفة وحكاية جديدة كإظهار التعايش في المجتمع الدمشقي، والاعتماد على حكاية يخرج فيها البطل الرومانسي بطريقة مغايرة عن المعتاد كمسلسل (طالع الفضة) الذي عرض في  الموسم الماضي.

وأعتقد أن صناع الدراما السورية عموماً  قد استهلكوا إلى حد بعيد هذه الفضاءات حتى بدا التكرار واضحاً في أغلب الأعمال. وأصبح المتابع لهذه الأعمال رهين الحكاية ذاتها التي تختلف في بعض التفاصيل من عمل إلى آخر، لكن الإطار العام يكاد يكون واحداً إلى درجة التطابق أحياناً.

وفي المقارنة في بعض الأعمال نجد التناص والتشابه في ذروته في مسلسل (طاحون الشر)، إخراج ناجي طعمي، مع مسلسل باب الحارة الشهير، فقد تشابكت الأحداث والأمكنة والفضاءات الدرامية والشخصيات بين العمل الدرامي الشهير (باب الحارة)ومسلسل طاحون الشر الذي عرض مؤخراً في الموسم الحالي. وأصيب المشاهد والمتتبع لحلقات طاحون الشر بتطابق الأحداث والشخصيات في أغلب مفاصل العمل مع  باب الحارة الأب الشرعي لطاحون الشر. ويكاد يكون باب الحارة قد فرخ طاحون الشر بلغة وحكاية مغايرة مع الاعتماد على جوهر الفكرة الرئيسية التي تجمع العملين، ووصلت إلى درجة التطابق بين العملين لدرجة أن المتلقي (المشاهد) يشعر كأنه يشاهد جزءاً جديداً لباب الحارة.

ورغم اعتماد صناع العمل الجديد (طاحون الشر) على فكرة تحاكي البيئة الشامية بطريقة مغايرة وقصة تكاد تكون جديدة من حيث التفاصيل ومنعطفات الحكاية، إلا أنها لم  تخرج من إطار حكاية البيئة الشامية وتقاطعاتها مع واقع مرحلة الاحتلال الفرنسي.

ويجد المشاهد للمسلسل ذلك التشابه والتقارب في شخصية الزعيم أبو حمدي  (رفيق سبيعي) في مسلسل طاحون الشر التي  تتقارب كثيراً من حيث التفاصيل مع زعيم باب الحارة في أجزائه المتعددة. وقد قام بدور شخصية الزعيم عبر الأجزاء المتعاقبة كل من (عبد الرحمن آل رشي وسامر المصري). وهذه الشخصية تتعرض دائماً لشتى أشكال المؤامرات والدسائس من أقرب المقربين إليه. إضافة إلى الشخصية الشريرة التي تعادي المكان (الحارة) في باب الحارة أو حارة الكبادة في (طاحون الشر). ونلمس ذلك التشابه في الفضاء ذاته في شخصية (الإحدى عشري) بسام كوسا التي تتوافق مع شخصية (بري ) ميلاد يوسف.

ويقع المشاهد عادة في فخ التشابه في  أعمال دراما البيئة الشامية، فالمخفر (الكركون) هو المكان المتآمر بشكل دائم على الفرح والحياة وعلى حكايات الحارة، وهو اليد الشريرة التي تسرق الفرح والانسجام بين أبناء الحارة المتجانسة. ويلمس المشاهد ذلك التآمر من أبناء الحارة ذاتها على الانسجام والتعايش، ففي باب الحارة كان لشخصية مأمون بيك (فايز قزق)  ذلك الخراب الذي تمثل بفبركة الأحداث والدسائس والمكر، ونجد الشخصية ذاتها في مسلسل طاحون الشر متمثلة بشخصية عاصم بيك (بسام كوسا) الذي يتفق مع رئيس (الكركون)  لإقامة الشرخ والعداوة بين أهل الحارة طمعاً بالمال والسلطة والثأر.

وقد غاب عن (طاحون الشر) الشخصية التي تحقق حضوراً عبر مفردات تتكرر على مدى حلقات المسلسل الثلاثين كشخصية (النمس) مصطفى الخاني. لكن صناع (طاحون الشر) واصلوا في كشف أسرار البيوت عبر نسائها اللاتي يتميزان بالمكر في بعض الأحيان وبالبساطة في أحيان أخرى.

وفي النهايات السعيدة لأعمال دراما البيئة الشامية تتفق في الخلاص من المتآمرين ووحدة الصف أمام المواجهة المحتومة مع العسكر الفرنسي، واكتشاف سر الحكاية وإظهارها دفعة واحدة للمشاهد في الحلقة الأخيرة، وجرت العادة أن يقوم (قبضاي الحارة) زيدو (وائل شرف) بتوحيد الآمال، ويتواصل مع الثوار المتمركزين في الغوطة متحينين اللحظة المناسبة للهجوم على المواقع العسكرية الفرنسية.

وتجدر الإشارة إلى أن المسلسل  تأليف مروان قاووق، وإخراج ناجي طعمي، وبطولة: بسام كوسا، رفيق سبيعي ، صباح الجزائري ، وائل شرف، منى واصف ، ميلاد يوسف، علي كريم ، سحر فوزي ، سليم كلاس ، ناهد حلبي.

العدد 1105 - 01/5/2024